سعود عبدالعزيز الجنيدل
أقف كثيراً أمام كلمة: (المصير).. وأجدني عاجزاً حائراً أمامها، فهذه الكلمة تختزل بين حروفها القليلة معاني كثيرة، ولا يوجد إنسان أو حيوان على هذه الكرة الأرضية إلا وتعنيه هذه الكلمة.
الأسئلة تأتي تترا، ما مصير الإنسان؟.. والحيوان؟.. والشعوب؟..
هل يمكن للإنسان أن يقرر مصيره؟.. وكيف السبيل لذلك؟.. وهل هناك لحظات معينة تحتم تقرير المصير؟؛ واتخاذ قرارات حتى لو كانت صعبة؟!..
أسئلة كثيرة مطروحة هنا وهناك، لا تكاد تعثر على إجابة لها، أحاول جاهداً تجاهلها، لعلي أشعر بالطمأنينة وراحة البال، ولكن هيهات يحصل ذلك.
عند ذلك يتحتم عليّ مواجهة هذه الكلمة مواجهة الفرسان، وبأخلاق الفرسان، ومهما يكن من أمر فإنني لن أستسلم وأرمي المنديل، بل سأستمر في معركتي معها حتى يأتي المصير!!.
المتأمل لكل من حوله يرى بوضوح أن كل شخص يواجه ظروفاً مختلفة؛ فبعضهم يكافح ويصارع من أجل لقمة العيش، وهذا يمتطي البحر بحثاً عن وطن يأويه، وآخر يقرر تغيير حياته..
كل هؤلاء وغيرهم لا يعرفون المصير الذي سيواجههم، ولعل في عدم معرفة ذلك حكمة ربانية، ألم يقل الله -عز وجل-: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، وجهل المصير يجعلنا نقدم، ونفعل أفضل ما وسعنا لتحقيق أحلامنا، وآمالنا، ولكي نرضي ذواتنا، التي لا ترضى بالقليل، فهذه الذوات عالية الطموح.
إذاً مصيرنا أيّاً كان عند خالقنا -تبارك وتعالى-، فهو وحده من يعلم أين سينتهي بِنَا المصير، وفي أيِّ مكان وزمان، قال تعالى: {اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ * وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا * وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.
فلا خوف الآن من المصير الذي سأواجهه مادام أنني عاقدٌ العزم على مواصلة المشوار لتطوير الذات، وفعل الأسباب، وانتظار توفيق الله بعد ذلك، وإذا سلكت طريقاً خاطئاً وتجربة فاشلة أيّاً كان مجالها، فيجب التسليم بهذا الأمر، فنحن لا نعلم ما هو خير لنا، قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}؛ ويجب أن نأخذ العظة والعبرة من هذه التجربة.. فبمنظور آخر فلسفي فالتجربة ليست فاشلة، فيكفي أنك اكتشفت أن هذا الطريق أو هذه التجربة لا تسير بتلك الطريقة.. فهذه معرفة جديدة لك. ألم يحاول توماس أديسون -كما يروى- قبل اختراعه المصباح الكهربائي أكثر من 999 محاولة لهذا الاختراع العظيم؟!؛ وعلى الرغم من هذه المحاولات المتكررة الخاطئة، فهو لم يسمها محاولات فاشلة، بل أسماها تجارب لم تنجح.. فهو اكتشف أن التجربة لن تنجح بهذه التجارب، فلهذا يجب استخدام طرق وتجارب أخرى.
كما لا ننسى ونحن نسعى في دنيانا مشاركة الناس همومهم وأحزانهم، وأن نعطي ما دمنا نستطيع ذلك.. «علَّمتُ نفسي أن أعطي كلما سنحت لي الفرصة، وكلما استطعت، وأن أعطي أيّ شيء تجود به نفسي، حتى دموعي أعطيها أحياناً للآخرين.. قد لا تنفعهم ولكنها ستنفعني بالتأكيد.. وعلمتني الحياة أنه كلما أعطيت أكثر كسبت أكثر.. كم هي جميلة هذه المعادلة».
ويجب تذكّر أن من عاش لنفسه، عاش صغيراً ومات صغيراً، ومن عاش لغيره، عاش كبيراً، ومات كبيراً.
بعد بذل الأسباب، والأخذ بالسُّبل التي تعيننا على أمورنا الخاصة، عندها نقول أهلاً بالمصير الذي سنؤول إليه في حياتنا الدنيا.