علي الخزيم
صورٌ لمذيعين ولمقدمي برامج كانوا يصحبوننا في عقود مضت بمتابعاتنا عبر الإذاعة والتلفزة المحلية، جمعها أحدهم ونشرها على مواقع التواصل تذكيراً بهم ووفاءً لهم، شخوصهم لم تزل في ذاكرة الكثيرين منا؛ لأنهم أضحوا كالأصدقاء في حياتنا، فهم فئة من الأصدقاء ممن رافقونا عن بعد عبر الأثير، وطابت بهم الصحبة وتعطَّرت بهم الذكريات، التذكير بمثل هؤلاء وغيرهم ممن قدموا لوطنهم من عطائهم بأي مجال، وسواء كانوا بيننا أحياء بعد تقاعدهم أو من رحلوا وبقيت ذكراهم، يعد نموذجاً وجزءً من الوفاء لهم، ولوسائل الاعلام كافة.
الوفاء لهم وذكرهم بالخير والترحّم على من رحلوا هو سُنَّة وسجية، وقيمة اجتماعية تُميز المواطن الصالح الذي يجعل الوطن وأخيه المواطن المتفاعل المُنجز -بقدر استطاعته- جزءاً من كينونته وحاضره ومستقبله، حتى من لم يستطع أن يُقدِّم لوطنه ما يتمنى أن يقدمه فهو ضمن هذه الكتائب الفاعلة؛ فلا يلام المرء بعد اجتهاده، المهم الوطنية المخلصة.
كأني سمعت من يقول: (المذيع أو الإعلامي والطبيب والمهندس واللاعب الفلاني) كان فيه خصلة غير محمودة، مثل البخل والعصبية والعنصرية المناطقية أو ثقيل بالمجالس ونحو ذلك من المقولات المحتملة، فيقال له: أن تقديرهم واستذكار سِيَرهم وجهودهم وعطائهم لا يتضمن التفتيش والتدقيق بأرشيف حياتهم الاجتماعية وملفات مراحل عملهم الوظيفي، إنما كان تثميناً لحجم العطاء، ومدى ما بذلوه حسب أمكاناتهم وقدراتهم لوطنهم ومهنتهم، ولو كانت الأمور تقاس بالعيوب الشخصية والسلبيات الفردية لما نجا منا أحد، ولن نستطيع إذن ذكر مآثر الاولين ولا المتأخرين، إنما هم بشر مثلنا، فلا يجب أن نغمض أعيننا عن سلبياتنا وعيوبنا ونفتحها للتدقيق بعيوب الآخرين.
كل المفكرين والعباقرة والمبدعين وذوي الشهرة بأي مجال تعتري سِيَرهم بعض الملاحظات وتنتابهم بعض السلبيات ويتعرضون لشيء من الإخفاق والزَّلات ويرتكبون الأخطاء العفوية كغيرهم، لماذا؟ لأنهم بشر مثلنا. ومن يريد اسماءً بلا عيوب فليختر لنفسه كوكباً بعيداً عن كوكب البشر، وإن كنت بهذا القدر والحجم من الثقة بنفسك وبنزاهتك وطهرك وصلاحك، وشعورك بأن هذا العالم أقل من مستواك بحيث لا تجد من تثني عليه وتشكره وتقدِّر جهده وعمله فأنت مصاب بداء الخيال بأنك من صنف الملائكة، إذن فاطلب من خيالك الواهم ليبحث لك عن جَنَّة تناسبك حتى لا يُدنس البشر جانبك.
وبالمقابل فإن هناك شعراء وكتاباً ومفكرين وفنانين وحرفيين وأطباء وغيرهم من المتميزين لا يظهرون على شاشات الإعلام فلا تعرفهم الأجيال، فلهم كل التقدير والاحترام بغض النظر عن خفايا شخصياتهم، كما أننا في وسائل التواصل الاجتماعي نتابع الكثيرين ويتابعوننا، وكل ذلك دون تدقيق وتمحيص بملفاتنا وتاريخنا وسيرنا الحياتية، فهل لو علموا سلبياتنا وعيوبنا سيحْضُرون متابعتنا (يبلكوننا).
وقالت العرب: ما استقصى كريم قط! ومازال التغافل من فعل الكرام ومن رأس المروءات، وثمَّة فاصل بين الغفلة والتغافل، وتأملوا قصة الزاهد الورع (حاتم بن عنوان) التي سُمِّي بسببها بحاتم الأصم، فلعل البحث عنها يغني عن السرد هنا.