د. عبدالحق عزوزي
عقدت في مدينة عمان الأردنية ندوة تحالف عاصفة الفكر في نسختها الخامسة في موضوع «التنمية والتعليم والإعلام في مواجهة التطرّف»، بتنظيم من منتدى الفكر العربي وبمشاركة خبراء ومراكز أبحاث وازنة. ولا غرو أن لمراكز الأبحاث والدراسات، دورًا كبيرًا في تجذير ثقافة إنتاج العلم والمعرفة والتوجيه في مجال السياسات العمومية، لهذا عرفها بيتر سينجر مستعملاً مجاز سلسلة الدراجة (Bicycle Chair) بأنها توجد بين عالم البحث العلمي والعالم السياسي. وقد تبنينا انطلاقًا من موضوع الدورة ضرورة إزالة الفجوة بين المؤسسات الرسمية ومراكز البحث في الدول العربية؛ ولعمري أن مثل هاته التوصية ستسهم في بلورة أفكار أصيلة وتقديم خيارات سياسية متعددة، لأن تلكم المراكز في عديد من الأحيان تكون خزانًا من الخبراء المتمكنين يمكن أن يوضعوا رهن إشارة صاحب القرار، وقبل هذا وذاك فهي مكان للنقاش ومعاينة التوجهات الجديدة والممكنة. وفي بعض الأحيان تكون السرية هي القاعدة المميزة لمثل هاته الاجتماعات.
كما لا يجب أن ننسى أنها تستفيد من مساحة الحرية التي تنشط فيها، ولها رؤية مستقبلية في بنيتها تطغى عليها النظرة الإيجابية إلى المستقبل، كما تستفيد من قوة المناهج والأسس النظرية في شراكة إستراتيجية مع المجتمع ومع صانع القرار وتستفيد من قوة البحث العلمي ومكانة جامعاتها ومؤسساتها الفكرية والتربوية وتجذير التقاليد الديمقراطية للبحث العلمي الذي يسهم في تنمية المجتمع أيًا كان التخصص، كما أنها تستفيد من قوانين الوصول إلى المعلومة (أيا كانت) ولا تعاني الحظر ولا القيود تحت أي سبب من الأسباب... وتعمل تلكم المراكز في إطار من تقاليد العمل الجماعي والحوار والتبادل المعرفي وقبول الخطأ والتقييد وقبول الأسرة الفكرية الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي العلمي المشترك، كما تعتمد في إطار دراساتها المستقبلية على وفرة المعلومات وسعة صدر صاحب القرار وعلى تقنيات تمكن من توسيع مساحة المشاركة في البحث وهو ما تحتاج إليه مراكز الأبحاث في عديد من الأوطان العربية.
هدَفَ ملتقى الأردن إلى مقاربة الأبعاد المختلفة ذات الشأن بتطوير آليات العمل في مواجهة الفكر المتطرف وأشكاله وأدواته، انطلاقًا من دور التعليم والإعلام في تعزيز التنمية المستدامة، وذلك من خلال أربعة محاور، هي:
- نحو إستراتيجية عربيّة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة التطرف.
- دور سياسات التعليم والتنمية البشرية.
- التشبيك بين مؤسسات الفكر والإعلام.
- خطاب الكراهية ودوره في نشر الفكر المتطرف- أثر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتبنينا في هذا الملتقى عديدًا من التوصيات، كضرورة تجديد آليات الخطاب الإعلامي ووظائفه، وتأهيل الكفاءات الإعلامية تأهيلاً يتوافق مَعَ الثورة الإعلامية الجديدة القائمة على استثمار الفضاء التكنولوجي ووسائط التواصل، ليضطلع بدوره التنويري الجديد لمواجهة الخطاب الظلامي المتزمت؛ وضرورة تفعيل القوانين والتشريعات التي تجرِّم الكراهية والعنصرية، وبثّ الفُرقة والنزاع بين الفئات المجتمعية ذات الصبغة التعدُّدية قوميًا وإثنيًا وطائفيًا...
ونظرًا لما يشكّله الدين من أهمية تراثية وفكريّة ووجدانيّة في حياة الإنسان المسلم، فإن تجديد خطابه وتأهيل الدّعاة يغدو ضرورة، لإبراز وسطيّته واعتداله وإشراك فاعلين جدد قد يعتبرون (أئمة الإنترنت) يعملون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لدعم عمل الأئمة في المساجد ومن يحظون بالشرعية الدينية والمصداقية.
كما أجمعنا على ضرورة القيام بحملة للتوعية والتأطير الديني في الوسط السجني الذي يشكل حقلاً خصبًا لانتشار الأيديولوجيات المتطرفة، بهدف إقناع الملوثة عقولهم بالتخلي عن المفاهيم المغلوطة عن الإسلام... وعلى وضع برنامج زمني لإستراتيجيات مواجهة الفكر المتزمت، وتقييم مخرجاتها ومخرجات الخطط التنموية بشكل دوري... وعلى ضمان المشاركة السياسيّة المنضبطة والمضمونة دستوريًا للفئات المجتمعية، بهدف تطوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق الأمن الفكري والاقتصادي والاجتماعي للشعوب، وإيلاء السياسة التَّعليمية للتعليمَ النَّوعيّ في فلسفتها وأهدافها، والتخلي عن بيداغوجية التعليم المبني على الذاكرة، الذي يهيّئ لقبول شعارات وأفكار تبسيطية، ومراجعة المقررات المدرسية فيما تحتوي عليه من بذور أفكار متطرفة....
في تدخلي أشرت إلى أن الأزمات لا تحل بمعالجة نتائجها، بل لا بد من قطع أصل الداء وإزالته إزالة نهائية والقيام بعملية جراحية مفصلية فيها الفلاح للبلدان ولمستقبل العباد والأجيال... الحلول السطحية نتائجها محدودة ومسكنة لوقت قصير، والتوصيات الهادفة التي تبنيناها أن هي بلورت في سياسات عمومية ناجعة ستزيل لا محالة جرثومة الإرهاب كلية، وإلا فعالمنا سيعرف سنوات عجافًا أخرى في مجال الإرهاب والفتن ما ظهر منها وما بطن.