فيصل خالد الخديدي
يقول الشاعر محمود درويش (بدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان) والأمكنة تحمل ذاكرة وحنين لا يهرم ولا يشيخ وهناك أمكنة نسكنها وأخرى لازالت تسكننا بكثير من الحنين والذكريات ونقتات في حياتنا اليومية على كثير من مفرداتها ونأنس بحنينها فهي لم تأسرنا للماضي وتقيدنا له، بل أصبحت وقوداً للحاضر ومصدر إلهام ومبعث إبداع منه، ولعل هذه الحالة من الحنين والهيام للماضي بأمكنته وتفاصيله هي ما يعيشها الفنان أحمد الخزمري مع قريته المعانقة للسماء والمصافحة للغيم ويترجمها في كثير من أعماله بل أنه أصبح يرى العالم كله من نوافذ الضوء التي تتبدى من بين أكوام ركام الغمام وتنبض بألوان متباينة ومبنية في اتساق وتناسق تحت غطاء من الرماديات والأحاديات وتتنوع في الملامس بل تظهر عناصر أعماله على هيئة مجموعة من بقايا ذاكرة تستحضر المكان بتضاريسه وأشلاء من تأثيرات تظهر على جسد العمل إما على هيئة لمسات لونية أو بتأثير خفي تحت وطأة الرماديات والأحاديات من الألوان مستفيداً الفنان منها تارة في تأكيدها كبعد وتجسيد بإضافة إضاءة وظل لها أو بتركها تعطي جمالا تأثيرياً خفيا لونياً حاضرا ملمسياً ، وعادة ما يجمع الفنان الخزمري في أعماله العين في بؤرة العمل ومنتصفه في محاولة جادة منه للفت النظر لمفردات ذاكرته وعناصر عمله الرئيسية تاركاً في خط الأفق اقتطاعه لونية بدرجة اللون الأفتح لتعطي أفقاً أوسع يضيف شعوراً بضخامة في حجم أفق العمل ومنتهاه.
ومضات من لون ورحابة أفق جاءت في أعمال الخزمري من مخزون بصري يتماهى مع إحساس شفيف جرد كثير من الأحداث والموضوعات والذكريات واختزلها واختزل مسيرة الفنان التي تجاوزت العشرين عاما من العطاء المستمر في كثير من المعارض والمشاركات الجماعية والمسابقات الفنية ومعرض شخصي عنونه (بحنين) قدم فيه شيئا من إحساس متكئ على الذاكرة والتي استمد منها روح معرضه الشخصي الثاني (الغمام) والذي يأتي استمرارا لبحث الفنان في زوايا الذاكرة وتضاريس الحنين لشيء من ذاته التي يعتد بها ويعيشها في أعماله بين هيام وعشق مضى واستشراف وانطلاق لضوء ولون قادم من بين نبض الغمام.