أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أكثر المواضيع التي تُحدث عنها وكُتب فيها ودار الحوار والنقاش حولها سواء في المؤسسات والدوائر والهيئات والجمعيات الرسمية والأهلية الداخلية والخارجية أو عندما تنعقد اللقاءات الثنائية وتكون الجلسات الخاصة والمنتديات العامة، أقول إن من أكثر هذه المواضيع موضوع حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، وأولها وعلى رأسها قيادتها للسيارة، ومع أن الأصل في هذا الأمر الإباحة فإن هناك من ذهب إلى المنع من باب سد الذرائع المحتملة كما هو معلوم، وآخرون أرجعوا الأمر لما يراه الإمام محققاً للمصلحة، وفريق ثالث اعتبروا القضية قضية اجتماعية صرفة، فمتى اقتنع المجتمع فستقود المرأة، ورابع جعلوه أمراً قانونياً يُرجع فيه لمقام وزارة الداخلية التي تمنع منح رخصة القيادة للمرأة، وخامس طالب به ونافح عنه ودافع لقناعته بأنه الحل الجذري الصحيح لكثير من المشكلات التي تعاني منها الأسر خاصة في المدن الكبرى، وعلى وجه أخص من ليس لها عائل ودخلها المادي محدود، وسادس فضّل التلحف بالصمت معتبراً أن القرار قرارٌ سياديٌّ من الأفضل عدم الخوض فيه تجنباً للقيل والقال والدخول في معارك جانبية ومهاترات تويترية، أو حتى لا يُنتقص في دينه ويُرمى بتهمة تسهيل الطريق للعلمانيين وخدمتهم في مساعيهم التحررية من دون أن يشعر، وسابع صرَّح بقناعته المطلقة بأن قيادة المرأة للسيارة صارت اليوم أمراً حتمياً يجب الإسراع فيه حماية للمرأة من الاستغلال، ووقفاً للهدر الاقتصادي الناجم عن وجود السائقين الأجانب المنتفعين من منع المرأة قيادة المركبة، لتتولى هي بنفسها تصريف أمورها وتدبير شؤون حياتها، وخصوصاً أن الأنظمة المرورية الجديدة فيها من الصرامة والقوة ما يمنع النيل منها أو الإساءة لها والتحرّش بها وهي تقود مركبتها في الطرق والشوارع العامة داخل المدن ووسط الأحياء، فضلاً عن أن غالبية شرائح المجتمع لديها اليوم الوعي الكافي الذي سيجعل الأمر متقبلاً ومستساغاً في الواقع الحياتي، مثلنا في ذلك مثل بقية الدول التي رآها الرجل السعودي هو وعائلته في سفراتهم ورحلاتهم السياحية .
القارئ الكريم.. أياً كان رأيك ومهما كان موقفك الشخصي من قبل فقد صدر مساء يوم الثلاثاء الماضي الأمر السامي الكريم الذي نصَّ على اعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية - بما ذلك إصدار رخص القيادة - على الذكور والإناث على حد سواء، ومع صدوره بحيثياته وضوابطه فقد انتهى وجوباً الجدل حول هذا الموضوع الذي أخذ في نظري مساحة أكبر بكثير مما يستحق، وعلى هذا يجب أن يغلق الملف، ونصم آذاننا عن سماع الشائعات التي يُراد بها شق صفنا الوطني المتراص، ونترفّع عن المهاترات والنكت والتعليقات التي تسابق البعض منا في التغريد بها وإرسالها للكل عبر منافذ العالم الافتراضي المفتوح تهكماً وتندراً واحتقاراً لجنس المرأة السعودية وحالها المتوقّع بعد قيادتها للمركبة، مع علمه المسبق أن الأمر اختياريٌّ وليس إجبارياً، ويسبق بدء التنفيذ الذي سيكون بإذن الله في 10-10-1439هـ دراسة للترتيبات اللازمة لإنفاذ الأمر السامي الكريم من قبل لجنة على مستوى عال من وزارات (الداخلية والمالية والعمل والتنمية الاجتماعية).
نعم، يجب أن يكون السمع والطاعة لولي الأمر الذي رأى أن الوقت قد حان لإعطاء المرأة رخصة القيادة، مرجحاً الإيجابيات المترتبة على هذا القرار على السلبيات المتوقّعة، بل مؤكداً أن هناك سلبيات من عدم السماح للمرأة بالقيادة، وفي ذات الوقت هناك إيجابيات متوخاة من السماح لها بذلك مع النص الصريح في الأمر السامي الكريم على وجوب مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيّد بها، مستنداً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه- فيما ذهب إليه بأمره السامي الكريم المشار إليه أعلاه إلى ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء وفقهم الله . دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.