عماد المديفر
لم يكن دين الإسلام في يوم من الأيام منبعاً للتطرف والتشدد والغُلو.. بل فطرة الله التي فطر الناس عليها.. وعليه فقد قامت بلادنا منذ دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب -يرحمه الله- على نشر العلم، والفهم الوسطي الصحيح للكتاب والسنة.. ومكافحة التعصب والغُلو والجهل. لذا؛ فقد واجهت دعوة الإمام المجدد حرباً شعواء من قبل المتطرفين والمتنطعين والجهلة.. من عبدة القبور، ومقدسي الأضرحة والأولياء ومتعصبي الرأي بالتبرك بالمقامات.. ومن دعاة السحر والشعوذة.. والمنتفعين من هذا الجهل المستشري، لتوظيف الدين لخدمة مصالحهم الدنيوية الوضيعة، إذ ما يقوم به الإمام المجدد عليه رحمة الله، من إحياء للفهم الوسطي السمح للكتاب والسنة.. ونشرٍ للعقيدة والعلم الصحيح بين عامة الناس.. ومكافحةٍ للجهل والتشدد والتعصب.. مردداً مقولته الشهيرة: «العلم قبل القول والعمل»؛ كل هذا لم يكن إلا تهديداً حقيقياً لمصالحهم ومنافعهم الذاتية الدنيوية.. مستغلين تحكمهم باسم الدين في البسطاء والدهماء والعامة من الجهلة.. وتوظيفهم لهذا التخلف بنشر مزيد من التزمت والبدع والتنطع والخرافات والخزعبلات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي يَرَوْن أنها تضمن لهم المكانة المقدسة والمكاسب الدنيوية.. مخوفين البسطاء المساكين الجهلة باسم الدين.. ومتحدثين ومتوعدين باسم الله..! عذاب الله..! -تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا-.. وذلك بغرض تهديد كل من يخالفهم، أو يقول للعامة لا تصدقوا خرافاتهم وخزعبلاتهم وترهنوا عقولكم عندهم.. تحرروا وانفتحوا على العلم الصحيح.. والعقيدة الصافية.. والفهم البسيط.. و»إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم غلوهم في الدين» كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهاجمه الغلاة.. وكفروه.. واعتدوا عليه.. وسعوا لقتله، فصبر واحتسب.. ودعا ربه بقلب موقنٍ وصادق {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ}؛ فقيض له رب العزة والجلال وقيض لهذه البلاد الطيبة الطاهرة المباركة.. وشعبها العربي الصادق الأصيل.. قيض لهم إماماً وقائداً بطلاً.. هو الإمام القائد محمد بن سعود عليه رحمة من الله ورضوانا.. مصداقاً لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم}.. فأعلى الله به الدين وحمى حوزته.. ونشر به العلم ورفع رايته.. وقضى به على الخرافة والجهل والتشدد الذي كان مستشريا في الجزيرة العربية وفِي كل أرجاء العالم العربي والإسلامي.. إلى أن أعاد الإمام محمد بن سعود لأهل جزيرة العرب عزهم وتمكينهم بنشر العلم وحمايته والدفاع عنه.. ومكافحة الجهل والتخلف والتطرف.. وما أشبه اليوم بالبارحة..!
فقد أجمعت الدراسات الموضوعية المعتبرة، على انقراض الإرهاب الإسلاموي بعد عصور الحشاشين الفرس والتتار، حتى نبتة بذرته من جديد مع ظهور مايسمى بـ»الصحوة الإسلامية»، وتمكن ما يسمى بـ»الثورة الإسلامية في إيران» ثورة الخميني، من انشاء دولتها على أنقاض مملكة بهلوي. هذه «الصحوة» لم تتأتَ في الواقع لولا قيام تنظيم الإخوان المسلمين، ونشره للفكر الإرهابي التكفيري بشقيه السني عبر سيد قطب، والشيعي عبر مجتبى مير لوحي (نواب الصفوي) والذي أنشأ تنظيمه الإرهابي الشهير الشديد الشبه بالقاعدة في أيامنا هذه.. والمعروف باسم «فدائيي الإسلام».
أقول قد أجمعت الدراسات الرزينة على أن الإرهاب الإسلاموي في العصر الحديث انتشر فعلياً في حقبة ما بعد عام 1979م.. أو فترة ما سُمي بـ «الصحوة الإسلامية» والتي استمرت أعراضها المرضية في الانتشار في جسد الأمتين العربية والإسلامية- وليست بلادنا بمعزل عن ذلك، بل هي على قائمة الدول المستهدفة-.. حتى بدأنا نلمس بشكل مباشر أعراض هذا المرض من خلال محاولات اختطاف الدين من قبل شرذمة إرهابية إخونجية ضالة مضلة.. نشرت التشدد والغُلو والكراهية.. وسعت إلى تجهيل الوعي المجتمعي، ليعيدونا لزمن الحشاشين والعصور الظلامية السوداء.. وهو ما لا تقبل به بلادنا ولا نهجها الوسطي السمح الأصيل، القائم على العقيدة الصافية والفهم النقي للكتاب والسنة.. والمنفتح فقهياً على الجميع، فـ»دين الله بريء من الكراهية، بريء من الإرهاب» إنه «دين الرفق والرحمة والتسامح، ويجب أن لا نسمح لشرذمة قليلة منحرفة من الإرهابيين بالإساءة إلى الإسلام وتشويه صورة المسلمين» كما قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز عليه رحمة الله. فـ «واقعنا اليوم يحتم علينا الوقوف معاً أكثر من أي وقت مضى لمحاربة آفة الإرهاب وحماية جيل الشباب من الهجمة الشرسة التي يتعرض لها والهادفة إلى إخراجه عن منهج الدين القويم والانقياد وراء من يعيثون في الأرض فساداً باسم الدين الذي هو منهم براء» كما قال مليكنا المفدى سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله وأدام عزه-.
وانفاذاً لذلك.. هاهو قائدنا الشاب سمو سيدي ولي العهد الأمين يؤكد بأننا «لا نريد أن نُضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال 30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، والتي سببت التطرف والإرهاب، نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن، نحن نريد -كسعوديين - الاستمتاع بالأيام القادمة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا كأفراد وأسر، وفي نفس الوقت الحفاظ على ديننا وتقاليدنا».. ويبشرنا سموه بأننا «لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979».. وقد رأينا جميعاً كيف أن احتفالاتنا في يومنا الوطني المجيد هذا العام كانت بمثابة الإعلان بشروعنا عملياً في وأد فكر «الصحوة» إلى غير رجعة.. «لقد ولى زمن تلك الحقبة».
إلى اللقاء.