د. فهد صالح عبدالله السلطان
عندما تمثل الإمكانات الاقتصادية والتمويلية التحدي الأكبر أمام طموحات التنمية الوطنية وتنفيذ برامج التنمية وتحقيق الرفاه الاقتصادي فإن الأنظار عادة تتجه إلى محورين: تعزيز الإيرادات وتخفيض التكاليف. في هذا المقال الموجز سأطرح منهجًا مختلفًا بعض الشيء لتعزيز القدرات الاقتصادية يتضمن مسارًا واضحًا وسهل التطبيق وليس له تبعات اجتماعية أو اقتصادية سلبية بل ربما يسهم في معالجة كثير من المشكلات الاجتماعية. يركز هذا المسار على الحد من الهدر وبالتالي زيادة الوفر وترشيد التكاليف الاقتصادية الوطنية. الحد من الهدر يمثل واحدًا من أهم المناهج لحفظ المال العام وتعزيز الاقتصاد الوطني في الاقتصاديات الريعية. الأرقام والحقائق تشير إلى أن حجم تكاليف الهدر في المملكة مرتفعة بشكل لافت.. وهو وإن كان أمرًا مزعجًا وغير مقبول إلى أنه يتضمن فرصة ثمينة لتعزيز الاقتصاد بأقل تكلفة اجتماعية وأكبر عائد اقتصادي (الفرص تولد من رحم الأزمات).. بل إن تنفيذ برنامج الحد من الهدر - فضلاً عن دوره في تحقيق النمو الاقتصادي- سيسهم في معالجة مشكلات اجتماعية كثيرة ومتجذرة.
أرقام مخيفة حول حجم الهدر في المملكة، فإن صحت فهي تمثل فرصة ثمينة لدعم الميزانية العامة وتعزيز الاقتصاد الوطني وتنفيذ برامج التنمية.
تشير الدلائل الإحصائية إلى أن اقتصادنا يخسر سنويًا نحو 60 مليار ريال في تنفيذ المشروعات بسبب مشكلات تتعلق بالتصميم ومقاولي الباطن وسوء التنفيذ فضلاً عن الخسائر الناتجة عن ارتفاع تكاليف الصيانة. (جريدة الاقتصادية). وأن اقتصادنا يخسر سنويًا (13.4 مليار دولار) أي حوالي 50 مليار ريال كأضرار تلحق بالممتلكات العامة والخاصة نتيجة حوادث المرور التي تزيد عن المعدلات العالمية بشكل ملحوظ. حيث تعد المملكة الأولى عالميًا في حوادث السيارات. ويشار إلى أن عدد ضحايا حوادث الطرق عام 2011م بلغ أكثر من 7153 شخصًا، وهو رقم يفوق عدد ضحايا العنف في العراق للعام نفسه الذي بلغ نحو 4200 شخص، كما أنه أعلى من عدد ضحايا حرب الخليج الذي بلغ 5200 شخص فقط. وتوضح الدراسات الإحصائية إلى أن حوادث المرور تحصد شخصًا كل سبعين دقيقة وأن العدد في ازدياد مطرد منذ عام 2011م ومن المتوقع أن يصل عام 2019 إلى 9600 شخص في العام وفضلاً عن الخسارة الفادحة في الأرواح فإن التكلفة الاقتصادية سترتفع أيضًا بشكل ملحوظ.
وفي جانب الهدر في الغذاء فقد قدرت وزارة البيئة والمياه والزراعة قيمة الفاقد والهدر الغذائي في السعودية بـ49.833 بليون ريال (13.3 بليون دولار) سنويًا، فيما أشارت تقديرات الوزارة إلى أن حجم الغذاء الذي يتم هدره سنويًا 30 في المائة، وهو ما أكدته أيضًا الجمعية الخيرية في المنطقة الشرقية (إطعام)، مبينة أن 30 في المائة من الأرز (1.1 مليون طن) يُهدر كل سنة. (الحياة 25-3-2017)
وتقدر نسبة هدر المال العام بسبب الفساد الإداري بـ55 مليار ريال (الشرق 11-6-2013). وفضلاً عن مصادر الهدر الأخرى أو النزيف بلغة الأطباء فإن الخسائر المشار إليها (215 مليار..) فقط تمثل حجمًا يستحق التوقف والدراسة والمراجعة وإيجاد الحلول. وعلى افتراض اننا توصلنا في جهودنا إلى توفير نصف المبلغ - على نظرية خذ من هرج العاقل نصفه- فإننا سنحقق وفرًا للاقتصاد الوطني يقدر بـ108 مليارات سنويًا من القطاعات المشار إليها فقط. وهو مبلغ كفيل بتغطية كثير من برامج التنمية. إضافة إلى أن ذلك سيسهم - وهو الأهم - في حفظ الأرواح وحفظ الممتلكات وحفظ النعمة واتباع السنة. هذه نماذج محدودة من مجالات الهدر تم طرحها على سبيل المثال لا الحصر ولكن القائمة تشمل مجالات أخرى عديدة كالطاقة بقطاعاتها المختلفة والماء والثروات الطبيعية الأخرى وتكاليف علاج مصابي الحوادث ورعاية المعاقين منهم وتكاليف الهدر في الأصول العامة....الخ
وباختصار فإننا يمكن أن نعزز وبشكل جوهري وملحوظ اقتصادنا الوطني وقدراتنا في تمويل الميزانية العامة من خلال مسار «الحد من الهدر». وهو منهج -إضافة إلى مردوده الاقتصادي العالي وسهولة تنفيذه- لا يتضمن أي تبعات اجتماعية غير مرغوبة.
فهل إلى ذلك من سبيل؟