د. فوزية البكر
هل تتصور شعوري أنا وغيري من النساء ممن جلسن يومي السبت والأحد (32-24 سبتمبر 2017) في مقعد داخل استاد الملك فهد الرياضي في مدينة الرياض وللمرة الأولى في حياتهن بعد السماح للمرأة السعودية بدخول الملاعب الرياضية لمشاهدة العروض المبهرة التي نظمتها بإتقان وجدارة هيئة الترفيه؟
العائلات بأطفالها ونسائها المنقبات يجلسون في طبيعية واعتيادية تعيد تدريجيا المنظر الذي كاد ينقرض للأسرة السعودية وهي تخرج معا كعائلة وتتشارك في الاستمتاع بحدث معين دون أي امتعاض ولأن الأب والأم موجودان فالكل يحترم نفسه ويعتني أن لا ينظر أو يضايق أو يتطاول على عائلات الآخرين وهي الخدعة التي تم تخويفنا بها طوال ثلاثين عاما لتجنب فكرة الاختلاط العائلي.
الأطفال يحملون الأعلام الخضراء ويستمعون لقصة تاريخ تشكل دولتهم والشباب يهتفون للمليك والوطن وبنات الوطن محجبات يعلن أهم مبادئ الدولة الحديثة: إسلامية، مدنية، تسعى للسلام وبناء المستقبل.
عيدنا الوطني السابع والثمانين لهذا العام كان مختلفا بكل المقاييس: سمح للمرة الأولى بإعلان الفرح في الشارع. لم يعد الفرح والإعلان عنه جريمة تتم بسرية داخل الأبواب المغلقة. الكبار والصغار والرجال والنساء: الجميع خرجوا إلى الشارع يتفرجون بدهشة عفوية وبلحظات من عدم التصديق في أن يكون ما يحدث حقيقة فعلا.
سبق هذه الاحتفالات استعدادات لم تقتصر على المؤسسات الرسمية بل تعدتها للأفراد والأسر الذين ركضوا لشراء الأخضر: أعلاما وقبعات وأوشحة وملابس جعلت الأطفال الصغار في كل عائلة يسألون: لماذا؟ وما هو اليوم الوطني ومن هو الملك عبدالعزيز؟ وما هي السعودية؟ إلى ذلك من الأسئلة التي تبني إجاباتها العفوية ممن حولهم شعورهم الوطني التدريجي بالارتباط بالأرض والوطن.
وجود الاحتفالات في كل مكان مع تعزيز أمني قوي أشعر المواطنين بالأمن والسعادة ولمس الجميع الجهود الخرافية لهيئة الترفيه وغيرها من مؤسسات الدولة التي كان عليهم جميعًا وفي زمن قياسي صنع معجزات تنظيمية لا حد لها وتمكنوا فعلا من ذلك بنشر الأخضر في كل مكان سواء في المدن الكبرى أو الصغرى فخرج الناس إلى النور الذي بهر بعض الأعين لتعودها على الظلام لفترة طويلة في حين أصر البعض الآخر على إغلاق أعينهم ورفض فتحها للنور بدعوى (حرمة) هذا النور ومأثوميته.
نحن اليوم نحاول بخطوات صغيرة الخروج من النفق الكبير لأننا نؤمن أن هناك نوراً كبيراً وخيراً عظيماً لهذه الأمة وهو خيار المستقبل لأمة شابة لديها طاقات بشرية مبدعة وما تحتاجه هي الفرصة: للعمل، للتعلم وللعطاء. البطالة بين الشباب ذكوراً وإناثاً بلغت نسبًا غير مسبوقة وهي مرشحة للارتفاع بفعل أكوام الخريجين والتخصصات التي لا تتوافق مع احتياجات العصر الحديث لكنها ماكينة مستمرة في الإنتاج بفعل ضغوط اجتماعية وما نحتاجه اليوم هو النور والحقائق دون تزييف وسياسات تنموية واستراتيجيات شفافة تعيد الوطن إلى أهله وشبابه.
شكراً لكم هيئة الترفية، شكراً لكل المؤسسات المشاركة عامة وخاصة شكراً لكل قوى الأمن البواسل بكل تشعباتهم الذين ملؤوا الطرقات والشوارع للحفاظ على الأمن، شكراً لكل الجنود المجهولين في القطاعات المختلفة الذين بلا شك عملوا ليل نهار لإتمام المشهد وبقي أننا فعلاً نحتاج إلى تدريب في كل شيء. نحن لم نعتد المهرجانات الضخمة أو الحشود الكبيرة أو مواقف السيارات الضخمة ولذا فتنظيم حركة المرور حضورا ومغادرة من أهم النقاط التي علينا تأملها مستقبلا إضافة إلى حملة تثقيف وطنية بسيطة للمواطن الذي يساعد بسلوكه الحضاري وصبره وتقديم الآخر على نفسه بتعزيز التنظيم وبدعم جهود رجال الأمن والإسعاف والشرطة والمرور.. إلخ من الفرق التي جندت نفسها لهذا الوطن.
شكراً لكل الرجال والنساء المخلصين الذين جعلونا نفرح من القلب في عيدنا الوطني الكبير المتنوع والمختلف ودام عزك يا وطني: المملكة العربية السعودية.