د. جاسر الحربش
الحكومات الأمريكية المتعاقبة كانت منذ البداية تعرف الهدف النهائي لكوريا الشمالية وإيران، الوصول إلى السلاح النووي والصواريخ العابرة للقارات، وإلا فما الفائدة من صاروخ يطير آلاف الكيلومترات بحمولة متفجرات عادية؟. أمريكا كانت تعرف أيضا ً أن العراق قبل غزوه وتدميره لم تكن لديه الإمكانيات للتسلح النووي ولا أسلحة تدمير شامل. كان هم العراق الأكبر بعد حرب الخليج الثانية توفير الغذاء والحليب لأطفاله مقابل النفط.
بالنسبة لكوريا الشمالية يسهل فهم التهيب الأمريكي من مهاجمتها، فهي محمية صينية وملتصقة جغرافيا ً بالصين وروسيا وكوريا الجنوبية. كوريا الشمالية أيضا ً دولة غامضة مغلقة لا يستطيع الاستكشاف الأمريكي الطيران فوقها فيكتفي بالأقمار الصناعية، ولديها جيش مرعب وتتابع على حكمها أربعة أشخاص من نفس السلالة، ترتعد فرائص من ينظر ولو إلى صورهم على الشاشات. لم يكن الموضوع صبرا ً أمريكيا ً/ غربيا ً على برنامج التسلح النووي الكوري الشمالي. وإنما الحسابات الحذرة والخوف من النتائج.
لكن ماذا عن صبر أمريكا على المشروع الإيراني؟. قبل الغزو الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003م كانت إيران محشورة بين عدوين، العراق وأفغانستان، ولم يكن لها وجود عسكري معلن في العراق أو سوريا، ولا مشروع صواريخ عابرة للقارات. كانت تحاول تخصيب اليورانيوم في براميل بطريقة بدائية لا تمكنها من الوصول إلى أكثر من خمسة بالمائة من الإشباع. أي ما قد يكفي بالكاد نظريا ً للاستعمال كوقود لأفران الطاقة.
أما العراق بعد هزيمته في حرب تحرير الكويت وفقدانه لثلث مساحته في الشمال والتحريم على طيرانه من عبور منطقة الوسط في كل الجهات الأربع، فلم يكن يستطيع أكثر من مصارعة الجوع والمرض، معزولا ً عن محيطه العربي والإسلامي. مسألة التفكير في برنامج تسلح دمار شامل كانت نكتة لئيمة لفقها بوش - بلير - رامسفيلد - شيني، ثم دمروا العراق بالكامل وقسموه. العالم كله بما فيه الصين، روسيا، الهند، العرب والمسلمون، كلهم كانوا يعرفون ذلك ولكنهم لزموا الصمت. لمصلحة من اختاروا العراق دون كوريا الشمالية وإيران؟. هذا هو السؤال الذي يجب أن ينحفر في قلب وذهن كل عربي، فالجواب هو أن العراق عربي. النتيجة أن أربيل تحولت إلى ثكنة أمنية واستخباراتية صهيونية، وبغداد إلى ثكنة أمنية واستخباراتية إيرانية ومناطق الأغلبية السنة إلى أطلال وخرائب ينعق فيها البوم.
كوريا الشمالية وإيران تمثلان تهديدا ً جديا ً لأمريكا، على الأقل هذه هي السياسات المعلنة، أما العراق ما قبل تدميره وتقسيمه فلم يمثل نظريا ً ولا عمليا ً أي تهديد لأمريكا والغرب بكامله. من زاوية أخرى كان العراق يمثل تحديا ً مستقبليا ً محتملا ً للمشروع الذي رسم على علمه خطين يمثلان الفرات والنيل، أما كوريا وإيران فلا علاقة لهما بهذا المشروع ولا يتحديانه. فكر لكي تفهم ما جرى وما يمكن أن يترتب عليه.