ياسر صالح البهيجان
يُنتج الطلاب والطالبات خلال دراستهم الجامعيّة آلاف الأبحاث والدراسات في تخصصات طبية وعلمية وإنسانية متعددة، إلا أن معظم تلك المنجزات الفكرية لا تحظى بالتوثيق، وتتوارى خلف ركام المستودعات المغلقة أو في مكبات النفايات أعزكم الله، ما يدفعنا إلى طرح سؤال عن سبب ذلك الإهمال المعرفي في زمن تحتفي به المجتمعات بالبحث العلمي وما يقدمه من توصيات ومن تأويلات ورؤى حول الواقع ومنه وإليه.
الجامعات العالمية الكبرى تقيم مسابقات لأفضل الأبحاث، وتدعم إنجازات طلابها، فيما يظل عضو هيئة التدريس يمارس دور الجندي المجهول والمشرف الخفي، بينما في المجتمعات العربية الحال عكس ذلك تمامًا. وقد استمعت إلى طلاب اشتكوا من سرقة بعض الأساتذة لأبحاثهم للحصول على ترقية في سلم التدريس، وإن كانت عقلية بعض الأساتذة بهذه اللصوصيّة فلا عجب إن ظلت الدراسات الطلابية في غياهب النسيان. الأمر يتطلب وعيًا ممن هم في قمة الهرم الجامعي لكي نتمكن من جمع شتات الجهود الشبابية البحثية.
لعل من المناسب اقتراح إنشاء مكتبة رقمية متخصصة بأبحاث الطلاب والطالبات، تتيح لهم إدراج أبحاثهم العلمية عبر بوابة جامعاتهم التي تُربط بالمكتبة إلكترونيًا، وأجزم بأننا سنغذي المكتبة الوطنية سنويًا بآلاف الأبحاث والدراسات المتنوعة، إذا ما علمنا بأن لدينا أكثر من 700 ألف طالب وطالبة يدرسون في الجامعات السعودية، فضلاً عن المواطنين المبتعثين، لذا ستتحول تلك المكتبة الرقمية الطلابية إلى واحة معرفية حافلة بالدراسات المتميزة.
قد يبرر البعض بأن ما يُنجزه معظم الطلاب في مجال البحث العلمي لا يرتقي إلى المستوى المنشود، ولكن مثل هذا التبرير لا يقوض مشروع إنشاء مكتبة رقمية طلابية، بل يفرض على جامعاتنا تزويد الدارسين بآليات البحث والاستقصاء منذ التحاقهم بالدراسة الجامعية، والتركيز على متابعة سيرهم في الإنتاجات البحثية، وممارسة دور إشرافي أكثر فاعلية، ونحن نمتلك الكفاءات الشابة التي ينقصها التوجيه المناسب لتمضي نحو التألق والإنتاج النوعي.
تغيير ثقافة الجامعات تجاه أهمية البحث العلمي ضرورة حتمية. المجتمعات ترتقي في سلم الحضارة بقدر ما تنتجه من أفكار تنويرية ودراسات رصينة. لدينا الأدوات والمنشآت والكوادر، وما نحتاجه هو التنظيم والعمل الجاد للتأسيس لمرحلة فكرية جديدة قائمة على استثمار طاقات الشباب وحفظها من الهدر.