عبده الأسمري
شهدت السنوات الماضية جدالاً بين الصحوين والليبراليون في المجتمع السعودي فالفئة الأولى قدموا بجمود وتعنت وتشبث بأفكارهم في حين أن الفئة الثانية كانوا يركزون على الانفتاح وتطور الأفكار كسبيل إلى توجيهها نحو متغيِّرات الحياة وتغيّرات اجتماعية فرضتها الظروف.
في كثير من الحالات لم يكن الحوار عادلاً وموضوعياً بالمستوى الذي يلاقح الأفكار للوصول إلى معان ذات قيمة للمجتمع بعيداً عن الصفات الشخصية وذاتية بائسة كانت الشاهد الأول في ملتقيات ومواقع انتهت بالتراشق والتلاسن.
غابت الوسطية واختفت معالم الحوار الهادف فالنظرة الشخصية كانت حاضرة واستباق الاتهام كان عنواناً لتفاصيل كثيرة في سياقات هذه الحوارات التي كانت تصطنع أحياناً لصناعة «الخلاف».
بعد جدال وجدل طويل امتلأت به قاعات الأندية الأدبية ومقرات المناسبات المختلفة وسلسلة من الحوارات العقيمة ماذا كانت النتيجة؟ توقفت الأمور فجأة تحولت إلى تلاسن مشخصن في وسائل التواصل الاجتماعي وتصفية حسابات مؤقتة في خلافات ثنائية بعيداً عن المجموعات وحمى «الدفاع».
هدأت العاصفة في حالة مغيبة ومبهمة ترجح إحدى الكفتين وهي الوئام أو الانهزام..وفي كلتا الحالتين فإن الحوار ليس حرباً شعواء ومعركة فرض للآراء.
أياً كان التصنيف الذي انتهج مبدأ الشخصنة أو الانتماء المتصف بصيغ الاتهام لا بد أن يتعلّم أقطاب الحوار لدينا المبادئ الأساسية في أي مسألة فكرية أو اختلاف رأي وأن تترك الأمور العقائدية للجهات المعنية عنها والمسؤولة عن الرأي والقرار وفق الصلاحيات.
أما الحرية الفكرية وإبداء الرأي التي تخص المفكرين فلا ضير فيها شريطة أن لا تمس الثوابت.
سؤالي ماذا جنى المجتمع من الجدال؟ هل تغلّب الصحويون وفازوا وانتصروا؟ ولو حدث ذلك فإني متيقن أن الانتصار ليس لهيمنة الفكر وسيطرة الرأي وإنما انتصار شخصي للذات الممتلئة المشحونة المقهورة باختلاف وخلاف سنين.. وإن انتصر الليبراليون فما الفائدة أيضاً إذا كانت هنالك عشرات الطرائق في توظيف الأفكار وتطوير الرؤى بعيداً عن سيطرة التصنيف أو سطوة الصفة الشخصية ابتغاء الشهرة أو سعياً وراء تغيير حلة المجتمع بأفكار تتجاوز المحتوى الأساسي الذي يجب أن يحترم الآخرين وأفكارهم وعادات المجتمع وأساسياته.
لسنا بحاجة إلى مزيد من التصنيفات الضبابية والمؤدلجة نحتاج العديد من التطبيقات الحياتية والاجتماعية بعيداً عن التصنيف فلو اتحدت رؤى الأطياف وأفكارهم بشكل مؤسساتي لجنينا رؤية واعدة لمستقبل لا يحتمل الاختلاف، فنحن أمام تحديات خارجية مؤرِّقة وتدخلات مشبوهة تُدار في الخفاء تستهدف الفكر..علينا أن نوظِّف الفكر المجتمعي برؤية وطنية وأن نرتقي بأنفسنا عن الاختلاف، ففي النهاية سنصل إلى العديد من نقاط الالتقاء فقط لو تركنا الشخصنة وبعدنا عن حمى العزة بالذات وإقصاء الآخر وتجاهل فكره وتغافل مهمته.
بعد هذه الهدنة والصمت والسجال..أتمنى أن يعيد الصحويون والليبراليون وغيرهم من أطراف الحوار الفكري النظر في صياغة الحوار كي يكونوا أنموذجاً للعقلانية وأن نرى أفكاراً متوافقة ورؤى متطابقة بعيداً عن العداء المؤدلج لأننا لا نعلم؛ فقد تظهر مستقبلاً تيارات فكرية لتكمل المعركة بناءً على التجارب السابقة.