أ.د.عثمان بن صالح العامر
فرحت غالبية الأسر السعودية ببداية العام الدراسي الجديد، ليس حباً في العلم ولا رغبة فيه فحسب، بل من أجل أن ينتظم برنامج أولادهم ويتخلصوا من السلبيات التي عانوا منها طوال الإجازة جراء السهر على الأجهزة الإلكترونية أو خارج البيت مع أصدقائهم، وهذا مؤشر قوي على ضعفنا وعجزنا نحن أولياء الأمور عن القيام بمهمتنا التربوية والتعليمية على وجهها الصحيح، والاتكال على المدرسة بوصفها مؤسسة أولى يعتمد عليها في تنشئة أولادنا تنشئة صحيحة، مع أن المفترض والصحيح أن يكون البيت هو المحضن التربوي الأول للطفل.
لقد غاب الدور التربوي للأسرة في كثير من بيوتنا التي قصرت مهمتها على توفير متطلبات البقاء والعيش الأساسية «مسكن وملبس ومأكل ومشرب»، وقد تضيف لها الجدية في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والترفيه السياحي، والقيام بالدور الاجتماعي دون أي اكتراث أو اهتمام بتنمية عقل ووجدان هذا الصغير أو الشاب ذكراً كان أو أنثى، حتى صرنا أعجز من أن نتحكم برغباتهم ونضبط أوقاتهم التي تتبدل حين تغلق المدارس وفي أيام الإجازة الأسبوعية، فيكون الليل نهاراً والنهار ليلاً، بل تهدر الساعات الطويلة بشكل محزن.
لقد علّق الدين الإسلامي على الأسر مسئولية مباشرة إزاء من نعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم «بالرعية» ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) ( أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر). وفي النظام الأساسي للحكم جاء في الباب الثالث «مقومات المجتمع السعودي» المادة التاسعة ما نصه: «الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويُربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية، وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله، ولرسوله، ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد».
ليسأل كل ولي أمر نفسه:
* هل قمنا نحن بهذا الجانب التربوي نحو أولادنا ؟
* ما دورنا في بناء العقيدة الإسلامية الوسطية الصحيحة لديهم؟
* هل غرسنا فيهم حب ولاة الأمر والطاعة لهم في غير معصية الله منذ نعومة أظفارهم؟
* هل نحن قدوة لهم في احترام النظام وتنفيذه ؟
* هل عرّفناهم من نحن في هذه الأرض المباركة المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين، وكيف تكون المواطنة الصالحة المتولدة عن حب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد؟
قد لا أبالغ إذا قلت إن هناك منا من لا يكترث لهذا الجانب التربوي المهم، ولا يوليه ويعيره أدنى اهتمام، بل ربما صدر منه أمام أولاده سلوك ما يتعارض ويتناقض مع هذه المادة المستوحاة من النصوص الشرعية الصحيحة الحقة التي نص النظام الأساسي للحكم في مادته الأولى على أنها هي المرجعية لهذه الدولة المعطاء (المملكة العربية السعودية، دولة إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض)، أكثر من هذا أكاد أجزم أن منا من لا يعرف أن هذه المادة التي تنص على أهمية الأسرة في تكوين البناء السعودي بهرميته المعروفة وسلطاته الثلاث موجودة في النظام الأساسي للحكم، ومرد ذلك أنه ليس لدينا ربط ذهني بين الدولة ومؤسساتها المختلفة، والكيان الأسري، معتقدين أن لنا مطلق الحرية في مملكتنا الصغيرة ننشئ ونوجه ونربي رعيتنا كيفما اتفق وحسب ما نريد.
إن على الأسرة السعودية مسئولية دينية ووطنية يجب أن تعيها وتقوم بها نحو الأولاد خاصة في هذا الوقت بالذات، حتى يكون نتاج تربيتنا المنزلية لفلذات الأكباد عنصراً إيجابياً في المجتمع، ومشاركاً حقيقياً في مسارنا التنموي وبنائنا الوطني حاضره ومستقبله، فهم كما أنهم عزوة عائلية هم أيضا ثروة وطنية ورأس مال بشري مهم. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.