«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
فيما مضى من عقود وعندما كنا أطفالاً كانت «الجدة» -رحمها الله- تجلس في ساحة البيت الكبير تحت شجرة سدرة، لتروي لنا بعض الحكايات «الحزاوي» بعضها يبدو انه كان حقيقيا والكثير منها كان خياليا أو مما احتفظت به ذاكرتها من حكايات سمعنها عن أمها أو جدتها أو نساء «الفريج»، ولكن كنا ونحن نتحلَّق حولها أولادا وبنات نشعر بسعادة كبيرة، ونحن نتابع الأحداث والمغامرات الأخاذة والمثيرة التي تسحر ألبابنا وتسيطر على إعجابنا وتفكيرنا، بل إننا وبعد أن نخلد لوحدتنا نذهب سريعا لإعادة شريط الحكايات والقصص الخيالية، بل هناك من يتأثر ببعض الحكايات والمغامرات خصوصا التي تتسم بروح الشجاعة والإقدام، ورغم أن بعض الحكايات التي كنا نسمعها من «الجدة» العزيزة تحتاج رواياتها إلى مجلدات كما كانت في الحقيقة مثل روايات سيف بن ذي يزن، أو حمزة البهلوان أو حتى بعض قصص ألف ليلة وليلة وعلى الأخص حكايات السندباد البحري والبري.. لكنها والحق يقال كانت تكثف اختصارها بصورة رهيبة وبقدرة عجيبة، فهي تروي وكأنها تركض ممسكة بعباءتها تطارد الأحداث، ونحن أيضاً نعض ثيابنا ونركض خلفها نطارد ماذا فعل البطل.؟! وكثيرا ما يتأثر أحدنا بأحداث الحكايات «الحزاوي» كونها إنسانية تنطوي على الكثير من المواقف التي تعلِّم الشجاعة والصبر والإيثار وحتى الحكمة وحسن التعامل مع الآخرين وتحث على فعل الخير.
ومع الأيام وتطور الحياة ووصول أجهزة الإذاعة والتلفزيون إلى كل بيت افتقد الأطفال حكايات الجدات وحتى الأمهات، وهنا يبرز على سطح هذا المكان المضيء بالبياض هل اختفى عهد السرد والحكايات على الأطفال؟ بالطبع نعم إلى حد ما فلا وقت لدى الأمهات ولا الجدات للجلوس لرواية حكايات ومغامرات مضى عليها الزمن، فالبركة فيما يقدم من حشو داخل برامج الأطفال، اللهم إلا إذا استثنينا بعض البرامج المعدة من خلال مؤسسات تربوية لها خبرتها في هذا المجال.. ومع هذا كانت في الماضي برامج مخصصة للأطفال اشتهرت بتميزها والاهتمام بها، نظراً للإقبال الكبير الذي تحظى به من متابعة من قبل الكبار قبل الصغار، مثل برنامج «بابا حطاب» وكان هذا البرنامج الذي كان يعرض في تلفزيون أرامكو ولسنوات كان الأكثر متابعة، حيث جمع المشاهدين من أفراد المجتمع، والكبار في السن الذي تجاوزوا عقدهم السادس يتذكرون بالخير وحتى الحسرة، ما كان يقدمه هذا البرنامج من حكايات ومواضيع مختلفة وبناءة يتذكرونها حتى اليوم.. ولا شك أن فن «حكايات الجدات» له تأثير كبير في التوعية والتعليم والتربية من خلال ما تتضمنه الحكايات والمغامرات من قيم ومبادئ ودروس ومعلومات مختلفة.. ويعد انقطاع هذا الفن له تأثير كبير في العملية التربوية، وتمنيت لو عادت حكاوي «حزازي» الجدات من خلال برنامج تلفزيوني تتبناه وزارة التعليم الموقرة مع إحدى قنواتنا التلفزيونية لتقديم «حكايا جدتي»، من خلال طرح مسابقة كبيرة لعشاق الحرف وممن لديه القدرة على التأليف لوضع نصوص أدبية مبسطة تستمد من التاريخ السعودي والعربي والإسلامي وحتى العالمي مواضيعها، وتقدمها إحدى الممثلات القديرات لتتقمص دور «الجدة» وتحكي وتروي ببساطة، ويعرض البرنامج في القنوات الفضائية وحتى في المدارس خلال فترة «الفسحة» فهل نفعل.. نأمل ذلك.