أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
هذا اليوم يُذكّر الكبير بيوم وحدة البلاد في كيان واحد، ويُعلّم الصغير أن المملكة العربية السعودية تم تكوينها في عام 1351هجرية، ففي هذا العام اكتمل العقد من نجران وجازان في الجنوب إلى تبوك والجوف شمالاً، ومن القطيف والأحساء شرقاً إلى مكة والمدينة غرباً، ومن رمال الربع الخالي إلى رمال النفود، هذا هو الوطن، ففي جوف أرضه يوجد النفط وهو الذهب الأسود الذي كون للبلاد وجهاً جديداً، فالمدن انتظمت في مدن العالم، والقرى خلعت ثيابها القديمة وتشبهت بالمدن، فأصبحت القرى مدناً صغيرة بفضل الله ثم بفضل الذهب الأسود، وفي جبال الوطن وحراره توجد المعادن المختلفة من ذهب وفضة ونحاس وحديد، وفي أودية الوطن وسهوله تزرع النخيل والحبوب والفواكه، فكل مواطن أو مقيم في المملكة العربية السعودية مدين للوطن، لأن عيشه من إنتاج الوطن، إذاً ألايستحق هذا الوطن الشكر، ثم ألا يستحق هذا الوطن الذود عنه، والدفاع عن أرضه وسمائه، إن من ينكر حق الوطن مثل من ينكر ديناً لرجل، والفرق بينهما أن الرجل صاحب الدين سيطالب بحقه حتى يسترجعه، أما الوطن فحقه محفوظ عند الذين أرسوا أركانه، ورعوا مصالحه، وحموا حدوده، وهم ملوك آل سعود: الملك عبدالعزيز والملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبدالله والملك سلمان، إنهم يقفون بالمرصاد لمن ينكر حق الوطن، فهم القائمون على حفظ هذه المملكة العزيزة الأركان الثابتة الأوتاد، فالمنكر حق الوطن لايختلف عن الآخر الذي يرسل القذائف الكلامية أو القذائف الحربية، فالاثنان متفقان على هدم الوطن، وإن كان هذا في داخل الوطن وذاك في خارجه، لقد رزقنا الله وطناً أتاح لأبنائنا التعلم، فمن خيراته فتحت المدارس والجامعات في المملكة العربية السعودية، ومن خيراته دفعت الدولة رعاها الله للجامعات في أوربا وأمريكا المبالغ الطائلة ليتعلم أبناؤنا العلوم الحديثة من طب وهندسة وعلم الحرب حيث مهر أبناء البلاد في قيادة الطائرات الحربية والمدنية، وهم اليوم يشاركون رجال الدول المتقدمة في المهارات الحربية والتعامل مع أنواع الأسلحة، ومن ثمرة خيرات الوطن أننا نرى اليوم في المملكة العربية السعودية المستشفيات المجهزة بأحدث المخترعات، ويجري فيها الطبيب السعودي العمليات الجراحية، من عملية القلب المفتوح إلى عملية نقل الكلى إلى عملية زراعة الكبد، إن هذه العمليات كانت من اختصاص مستشفيات أوربا وأمريكا، أما اليوم فقدارك أبناء المملكة العربية السعودية الآخرين في هذه المهارات، وكل ذلك بفضل الله ثم بفضل مال الوطن الذي أتاح الابتعاث لأبنائنا وبناتنا، فهم اليوم ينافسون الآخرين في أدق المهارات إن أبناء هذا الوطن ينجزون في كل يوم تقدماً، ويحققون في كل عام تطوراً، فالمملكة العربية السعودية جديرة بالتقدم ما دام الإنجاز مطرداً والآمال تتحقق في كل يوم.
إن أمن الوطن خلف هذا الإنجاز الطبي والعلمي عامة، فبالأمن يرتقي التعليم، وتزدهر التجارة ويتطور العمران لأن الأمن يحفظ الحقوق لأصحابها، وضياع الأمن ضياع للبلاد برمتها، فما هذا الإنجاز الذي نشهده إلا بتثبيت الأمن وقطع دابر المرجفين.
إن حفظ أمن بلاد الحرمين واجب على المسلمين، أما أبناء المملكة العربية السعودية فهم يعتزون بحماية وطن فيه كعبة المسلمين ومشاعر حجهم: منى ومزدلفة وعرفات، وفي الوطن قبر نبينا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبه قبر الصديق وقبر الفاروق، ويحوي البقيع في المدينة المنورة قبور الصحابة والتابعين، وفي الوطن موضع البيعة الأولى وموقع المعركة الأولى في الإسلام (بدر) وموقع معركة أحد وموقع معركة الخندق، وعلى أرض الوطن أثر أقدام سيد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تلك الآثار بادية ما بين المسجد الحرام وغار حراء، وما بين المسجد الحرام وغارثور، وهي بادية في طريق الهجرة ما بين مكة والمدينة، وفي الوطن قباء التي استقبلت النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد سفر طويل وجهد ومشقة، إن بلادنا لا تشبه البلاد الأخرى، فالذي يتراخى في الذود عن بلاد هذه صفتها فاقد للحس الوطني.
إن العيش في الوطن له مذاق يختلف عن العيش في الغربة، ففي الوطن تهدأ النفس لأن فيه الأقارب والأصدقاء ومعاهد الطفولة، ثم إن الإنسان يعتز بإقامته في وطنه فهو ليس بطارئ عليه بل هو جزء منه، نما جسمه على خيراته وسيعود إلى أرضه حيث يدفن فيها، إن الغربة قلق وإرهاق وشتات للنفس مهما كان مردودها المادي، ومكاسبها الدنيوية، فالذين نزحوا عن أوطانهم بقيت الغربة غصة في حلوقهم، ألم يقل ابن حمديس بعد أن نزح عن بلده صقلية مستنهضاً همم المهاجرين أمثاله:
فإن بلاد الناس ليست بلادكم
ولا جارُها والخِلم ُكالجار والخِلمِ
وتجرع أبو علي القالي مرارة الغربة فقد نزح من قالي قلا إلى بغداد ثم نزح من بغداد إلى بلاد الأندلس، فمع تقدير حكام الأندلس لأبي علي القالي بقي فقد الوطن مهيمناً على نفسه، فقد أوصى أن يكتب على قبره:
صِلوا لحَدَ قبري بالطريق وودِعوا
فليس لمن وارى الترابُ حبيبُ
ولا تدفنوني في العراء فربما
بكى أن رأى قبر الغريبِ غريبُ
إن حق الوطن على المواطن يتمثل في حمايته والإسهام في نهضته، والترحيب بوفود الحجاج والمعتمرين والزوار الذين يفدون إلى الديار المقدسة من أقاصي الأرض. وبما أن اليوم الوطني في هذا العام توفق مع انصراف الحجاج من المشاعر فقد شهد الوطن حجاً اتسم بالهدوء والسكينة ووفرة الخدمات، حيث أسهم القطار في نقل نسبة عالية من الحجاج الذين زاد عددهم في هذا العام. وقد شهدنا استعداد رجال الأمن قبل بدء الحج حيث عرضوا مهاراتهم أمام ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، فكان عرضاً مهيباً طمأن الحجاج بأن أولئك الجنود البواسل هم من يحمون هذه الجموع الغفيرة.
إن إشراف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان على أمن الحج عنوان الاهتمام بحماية هذه الجموع التي تقف في مكان واحد وفي ساعات معينة وتسلك طرقاً معروفة وترمي الجمرات في أوقات محددة. إن ما شهده الحج في سنوات ماضية من تربص الأعداء وبحثهم عن ثغرات يتمكنون من خلالها إلى التخريب وإزهاق أرواح الحجاج بوسائلهم المختلفة من سد طرق ليحدث التدافع حيث الكتل البشرية المتراصة أو بإشعال الحرائق أو بوضع السموم في الأنفاق،كل ذلك حفز رجال الأمن إلى إشعار أصحاب القلوب المريضة بالاستعداد التام تحت إشراف خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. إن حماية الحجاج ليست بالأمر السهل في الأحوال المطمئنة فكيف بها والأحقاد تشتعل من حول المملكة العربية السعودية، وأصحاب تلك الأحقاد يسعون ليل نهار في إشعال الفتنة، ويبحثون عن أي وسيلة تمكنهم من تنفيذ مآربهم الخبيثة في عرقلة الحج عن مسيرته الإيمانية إلى نزاعات تزهق فيها الأرواح وتفسد على الحجاج إتمام حجهم. إن خطط الحج قد وضعت فرضيات لكل ما يمكن أن يحدث، وقد أثمرت تلك الجهود ولله الحمد. وقائد المسيرة سلمان بن عبدالعزيز أضاف إلى إنجازات ملوك آل سعود إنجازات حربية، إن ما نشهده اليوم من طائرات يقودها أبناء الوطن وآلات حربية تقف للأعداء في الحد الجنوبي، ومهارات من رجال القوات الخاصة لهو حصيلة جهد وتخطيط ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين الذي اهتم بالجيش فلبى مطالبه بالسلاح الذي تنتجه مصانعنا الحربية، إن صناعة السلاح في المملكة العربية السعودية توجه لخادم الحرمين الشريفين الذي يحرص على حفظ مال المملكة العربية السعودية ويحرص على إيجاد عمل لشباب المملكة ومن هنا أثمرت جهوده، فقوة المملكة مرهوبة واقتصادها وضع لها مكاناً في قمة العشرين، ومهارات أبنائها سمت بها إلى صف البلدان المتقدمة.
حمى الله بلادنا من كيد الكائدين، وشرور الحاسدين، وبغي المفسدين. فهذه البلاد مهبط الوحي والتقاء الأرض بالسماء، شرفها الله بدين الإسلام فهي مأوى الأفئدة، فيها تسكب العبرات وترفع المناجاة وتسمو الدعوات. فعندما يستحضر المؤمن وقوف نبينا أمام الكعبة داعياً ربه أو إنصاته في غار حراء يستمع إلى صوت من السماء لا يملك حينئذ دمعة عينه وإجهاش نفسه وزفرات صدره. نحن في وطن لا يشبه الأوطان، فحق علينا التفاني في خدمته. ونحن صف واحد خلف قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز صاحب الهمة العالية والعزيمة الصادقة والنظرة البعيدة والخطوة الموفقة، يؤازره في عمله الدؤوب ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وفقه الله وسدد خطاه وأعانه على أعماله الجليلة فهو الهادي جل وعلا إلى سبيل الرشاد.