محمد سليمان العنقري
كل عام ووطننا الغالي وقيادتنا الرشيدة وشعبنا الوفي بألف خير، حيث تحل الذكرى السنوية 87 لتوحيد المملكة العربية السعودية لتعيد للأذهان تطورات الاقتصاد الوطني الذي نال اهتماماً كبيراً من قيادة المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي وضع القواعد الأولى للتنمية الاقتصادية والبشرية إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، حيث وصلت المملكة باقتصادها لتكون إحدى دول مجموعة العشرين الأكبر اقتصادياً بالعالم.
فرغم حداثة الإحصاءات بالاقتصاد الوطني إلا أن بعض الأرقام المسجلة قبل بداية خطط التنمية تظهر التحديات التي مر بها اقتصاد المملكة على مدى تسعة عقود حتى وصل للمستويات القوية حالياً، فقد أقرت أول ميزانية عام 1934 ميلادية أي بعد توحيد المملكة بعامين عند 14 مليون ريال بينما وصلت حاليا إلى 890 مليار ريال أي أنها تضاعفت 63،500 ألف ضعف، وهو ما دعم التطور الاقتصادي ليكون من الأسرع نمواً عالمياً، حيث انتشرت التنمية بكافة أرجاء الوطن، أما على صعيد انعكاس حجم الإنفاقات الحكومية الضخم خصوصا بعد اعتماد أول خطط التنمية عام 1970 م التي أنجز منها تسع خطط خمسية فقد كان حجم الناتج المحلي في بدايتها قبل 47 عاماً أقل من عشرة مليارات ريال مع التنويه بضعف أدوات الإحصاء ومعاييره بوقتها ليصل حجمه في العام الماضي عند قرابة 2،6 تريليون ريال أي تضاعف بحوالي 260 ضعفاً، أما على صعيد التنمية البشرية والذي تصدر تقريره الأمم المتحدة عبر برنامجها الإنمائي العالمي منذ العام 1990م فقد وصلت المملكة إلى المرتبة 38 عالمياً وتعد من أسرع دول العالم تطورا بالتنمية البشرية فقد كان ترتيبها في عام 2005 عند 77 عالمياً، لكن الانعكاس لخطط التنمية يبرز في أرقام عديدة، تمثل أهم مكونات المؤشر حيث كانت الأمية في المملكة مرتفعة وبحسب بعض الإحصاءات القديمة تصل لنسب تزيد عن 40 % قبل بدء خطط التنمية بينما تصل حالياً إلى 4 % وتتركز جلها في من تخطاهم سن التعليم سابقاً أي كبار السن بينما تصل نسب الالتحاق بالمدارس للأجيال الحالية إلى 99 % وتنتشر في أرجاء المملكة حوالي 35 ألف مدرسة يدرس فيها قرابة 5 ملايين طالب وطالبة، بينما يلتحق بالجامعات أكثر من 1،1 مليون طالب جامعي 51 % منهم إناث، وتخطى عدد الجامعات 30 جامعة بالإضافة لعشرات الكليات والمعاهد التقنية والمهنية، أما في مجال الرعاية الصحية فقد كان متوسط الأعمار بالمملكة حسب بعض الإحصاءات الغير مؤكدة قبل أكثر من 60 عاماً لا يصل إلى أواخر سن الأربعينات إلا أن تطور وانتشار الرعاية الصحية وصل بمتوسط عمر الفرد عند 74 عاماً حالياً أي أعلى من المعدلات الإقليمية بحوالي 6 أعوام وأعلى من المعدل العالمي بحوالي 4 أعوام، حيث انتشرت المستشفيات والمراكز الصحية بكافة المناطق وارتفعت من 74 مستشفى عام 1970 بداية أول خطة تنموية إلى 453 مستشفى أي تضاعف 6 مرات خلال خمسة عقود بخلاف المدن البية وآلاف المراكز الصحية، ويعد التعليم مع الصحة من أهم مؤشرات التنمية البشرية يضاف لها الوضع المعيشي والذي شهد تحسناً كبيراً خلال الخمسة عقود الأخيرة، حيث كان نصيب الفرد من الناتج المحلي ببداية أول خطة تنموية عند 4 آلاف ريال والتي منها بدأ الاهتمام بالإحصاء ليصل حاليا إلى حوالي 83 ألف ريال شاملاً المجموع الكلي للسكان من مواطنين ووافدين، إذ يتم حسابه بقسمة إجمالي الناتج المحلي على عدد السكان الإجمالي أي أنه تضاعف 20 مرة بينما زاد عدد السكان خلال تلك الفترة حوالي 6 أضعاف.
ورغم أن المملكة اعتمدت بنسبة كبيرة جدا على إيرادات النفط في بناء اقتصادها لكنها أسست للانتقال للتنوع الاقتصادي الذي تطمح لتحقيقه رؤية المملكة 2030 م، فقد فاق عدد المدن الصناعية حالياً 30 مدينة ومن أهمها مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين المستقلتين عن «مدن» وهما معقل صناعة البتروكيماويات وأضيف لهما مدينة راس الخير للصناعات التعدينية القطاع الذي سيكون الركيزة الثالثة للاقتصاد الوطني بعد النفط والبتروكيماويات، ويعد القطاع الصناعي أيقونة مستقبل الاقتصاد الوطني والذي سينطلق لآفاق جديدة، حيث يبلغ حاليا حجم استثمارات المصانع بالمملكة ألف مليار ريال بعدد يفوق 7400 مصنع ليشكل حجم الناتج الصناعي الذي يشمل صناعة المنتجات الغذائية والمشروبات وصناعة الأخشاب والمنسوجات والأثاث وصناعة الورق والمواد الكيميائية ومنتجاتها، إضافة إلى الصناعات التحويلية الأخرى، حوالي 9 % من الناتج الإجمالي عند 213 مليار ريال وفق إحصاء 2016.
أرقام عديدة تعود بالذاكرة لتقارن بين بدايات الاقتصاد الوطني منذ تأسيس المملكة إلى وقتنا الحاضر لتظهر الجهود الجبارة والمباركة التي بذلت على مدى 87 عاماً وأثمرت عن اقتصاد هو الأكبر عربياً رغم ضخامة التحديات، وليكون من الأكبر عالمياً مع عضوية المملكة لمجموعة العشرين التي تشكل اقتصادياتها حوالي 80 % من الاقتصاد العالمي، مع تطلعات لتنمية مستدامة وتنويع بالقاعدة الاقتصادية ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص بالناتج المحلي وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط في الاقتصاد ضمن خطة طموحة اعتمدت في العام الماضي لتكون الموجه لاقتصاد منتج ومتنوع الدخل، حفظ الله وطننا الغالي.