ناصر الصِرامي
«المشهد والموقف الراهن هو استثنائي في تاريخنا الوطني.. حالة خاصة بكل تداعيات الأحداث في الداخل وفي الخارج.. سلسلة من التتابعات التي تفوق حجم التوقعات السابقة لما يحدث اليوم أو ذلك الممكن الحدوث.. في ظل صدمات، هزت وتهز الكثير من السكون والركود القديم في عالم متغير ومذهل ومتقلب بصورة سريعة وواضحة أحياناً أو غائمة أحياناً أخرى.. تجعل الحدث المحلي متداخلاً وملتصقاً بالخارجي أو الدولي.. لم تعد تلك الفواصل القديمة في ذات المكان..!
مرحلة استثنائية جداً للمنطقة بشكل عام وللمملكة بشكل خاص تأتي في وقت ذكرى مجيدة وخاصة للغاية.. ذكرى اليوم الوطني لتوحيد المملكة العربية السعودية.. فيما نودع ذكرى ثانية لأحداث 11 سبتمبر المدوية في تاريخ العالم وعلاقته السياسية وتحالفاته وتركيبته على مستوى الكرة الأرضية. أحداث هزت العالم لتزهر الكثير من المختبئ والمتواري عن الأنظار.. التداعيات وصلت إلينا بشكل مخيف داخل أرض الحرمين لتمارس الإرهاب بين ظهورنا.. في شوارعنا وأحيائنا، حيث الضحية قد يكون واحداً منا بالمصادفة أو بالحظ في ذلك الضرب العشوائي العنيف باتجاه صدورنا وأمتنا.. من أفكار ضلت الطريق والحياة والعقل وحتى الإيمان حملها بعض الشواذ والمتطرفين بلا رحمة من شبابنا المختطفين إلى الجهل باسم الدين..!!
مع ذكرى اليوم الوطني وقد مررنا بصدمات كبيرة ومربكة وغير عادية.. لم نصدق حينها أو لم نرد التصديق!.. إلى تفجيرات الرياض التي هزت أرجاء الوطن ومن الفئة الضالة نفسها الفاقدة إلى أي أخلاق أو حرمة لأي كائن من كان.. إلى مكة والمدينة حيث مستودعات مخيفة ورهيبة للأجهزة والمتفجرات التي وصلت إلى المصاحف..!! صور كبيرة جداً تهز أشياء كثيرة حولنا لتؤكد لنا أن اليوم غير الأمس.. حتى حسن النية لم يعد له ذلك المكان المفترض أو المتوقع في عالم اليوم.. إن ضرب الأمن الذي تربينا عليه كان أولى محاولات هذه الحرب ضد الإرهاب والتطرف الأعمى والقاتل.. صدمات وصورة مربكة ومخيفة أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.. أو هي كانت بعيدة عن شكوكنا أو خيالنا المسالم الذي يفترض في عشقه الأقصى خلافاً في الرأي قد يصل إلى القطيعة ولكن ليس الدم والقتل..!! لكن هناك في الظلام كانت أفكار التخريب تنسف مواقفنا وتتلاعب بكل شيء.. دون تقديس لأي شيء.. إلا أهدافها المريضة المجنونة بالسلطة.. تلاعبت بأهم وأبسط الأشياء من التبرعات والمناشط الخيرية إلى الدعوية، وتصيغ رسالتها بدقة وتستغل عاطفة هذا وذاك وأحلام بعضهم غير المرتبة.. كانت تنسف بشكل دقيق كمن ينتظر لحظة الانقضاض على كل شيء، تدمير كل شيء حضاري بشكل همجي مخيف..! كل مكتسباتنا من الأمن إلى التنمية؟!
اليوم نقترب من ذكرى يوم وطني خاص.. يفترض أن نأخذه بالكثير من الجدية لنستلهم من عملية التأسيس وتوحيد البلاد على يد الملك البطل الموحد عبد العزيز الذي لم نمنحه الكثير غير أساليب مدح قديمة.. وكلام يفترض أبداً أن يلامس ولو بعضاً من منجزنا الوطني السعودي الكبير، لنعيد ترتيب البيت من الداخل وتصحيح الخلل وتعديل القصور.. وفتح النوافذ لتبقى الوحدة الوطنية التي أنجزها المؤسس - والتي تعد ثروتنا الأعلى - هي الهم والهم هي الأساس.. أن يكون يومنا هذا الآن وأكثر من أي وقت مضى فرصة للنظر إلى الداخل السعودي بالكثير من الجدية نحو تكريس الوحدة الوطنية عموماً بالكثير من الحوار وقبول التعددية والانفتاح على الجميع، وفق ثوابت الوطن الإسلامية بكل الشمولية والفهم بشكل أساس.. وقبول حوار الآخر واحترامه، يجب أن ندرك أننا مواجهون الآن بفهم مغلوط وقاس من العالم اليوم ووفق الأحداث المتابعة بأننا شعب عدواني أو همجي، كما قد تمنح الأحداث الاستثنائية الأخيرة فرصة لفهم ذلك أو حتى التشويش، نحن شعب أكثر اعتدالاً ومسالمون وأكثر قابلية للانفتاح والعيش مع الآخر، لدينا أكثر من سبعة ملايين أجنبي من مختلف أنحاء العالم وعدد الطلاب الذين درسوا في الخارج يتجاوز مئات الآلاف.. والزائرون أو المتجولون منا في بلاد العالم هم بالملايين، منفتحين على الفضاء وعلى الإنترنت.. لذا من الخطأ أن نخلق صورة مشوشة عنا أو أن نسمح لهذه الأحداث أن تفعل أمام العالم وأمام التاريخ، المفترض أننا نبحث عن فرص للقيام بمناشط جديدة وغير مباشرة لتوضيح صور وحقائق أكثر عن وطننا وعن المواطن السعودي المثقف العادي والمتضح.. عن مجتمع يشكل الشباب والأطفال نسبته الأعلى دون منازع في مرحلة غير عادية.. بل المفترض أن نمنح الجيل الجديد فرصاً أكبر للعمل والتعبير عن نفسه.. والإبداع والإنتاج والابتكار لصالح وطنه.. ولدينا الآلاف القادرون على الكثير متى ما أتيحت لهم الفرصة لعمل وتغيير الكثير مما لا يخدمنا في هذه المرحلة المهمة والحرجة ولا يمكن له أن يفعل في المستقبل.
المقال أطول من مساحة زاويتي المعتادة، لأنه كتب، ونشر في 15-09-2003، نعم قبل 14 عاما، وجدت أنني أريد تأكيد نفس الحب والأمنيات، وبعض الكلمات،كنت سأكتب نفس هذا المقال تقريباً..!