د.ماجد بن عبدالرحمن الطويل
في خضم الفتن والنزاعات والحروب والصراعات يعيش بلدنا في أمن من الله تعالى ونسأله شكر نعمته ونعوذ به من تحول عافيته.
الأمن نعمة عظيمة تستوجب الشكر من الحاكم والمحكوم، فبالشكر تدوم النعم وعندما يبحث المسلم في هذا البلد المبارك عن أسباب الأمن لن يجد سببًا أظهر من أن هذا البلد قام على الكتاب والسنة وأعلن شرع الله في أرضه وشرفه الله بالحرمين الشريفين اللذين جعلت القيادة أهم مهماتها خدمتهما ورعايتهما.
هذان السببان هما - بعد توفيق الله- سر الأمن والبقاء في زمن تموج فيه بلدان -ليست عنا ببعيدة- بفتن وقلاقل وقتل وتشريد نسأل الله أن يلطف بالمسلمين وينتقم من الظلمة المعتدين في كل مكان.
وإن مما يجب التأكيد عليه والإشارة إليه أن أهمية الرجوع إلى الكتاب والسنة والتوبة والإنابة واجتماع الكلمة على الحق من أهم أسباب استمرار الأمن وحماية المجتمعات من الفساد، وهذا لا يخفى على قيادة عاهدت الله والمسلمين على العمل بالكتاب والسنة وعدم الحيدة عنهما.
إن دور المؤسسات الشرعية في اجتماع الكلمة وتعزيز القيم ونشر الفضيلة دور مهم جدًا، ومن ذلك الاجتماع الأسبوعي تحت منبر الجمعة الذي لقي اهتمامًا - في غالبه - من الملقي والمتلقي ومن القائمين في الوزارة على دعمه وتوجيه الخطباء ليكونوا على مستوى المسؤولية التي تحملوها.
إن منبر الجمعة رسالة عظيمة؛ فمن خلالها يوجه الخطيب المجتمع إلى التمسك بالكتاب والسنة والتحلي بالقيم والأخلاق الإسلامية وينقل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلف الأمة ليربط الخلف بالسلف ويتربى الأجيال من مدرسة السالفين، المنبر رسالة لتحقيق التوحيد والإيمان؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ بالحمد والثناء على الله في خطبته والوصية بتقوى الله وهذا من أعظم ما يوصى به لتحقيق التوحيد وتأكيد الإيمان لله رب العالمين، والمنبر رسالة لترقيق القلوب والتوازن بين الترغيب والترهيب في الدعوة والنصيحة، المنبر رسالة لاجتماع الكلمة وتوحيد الصف، المنبر رسالة لتعليم الناس أمور دينهم وفضائل الأعمال والحض على الخيرات والتحذير من المنكرات، المنبر رسالة لتأكيد وأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإشاعته في المجتمع محبة ورحمة وحكمة، المنبر رسالة بلغة مؤثرة مرتبة واضحة تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما عند البيهقي (كان رسول الله صلى الله عليه وسلِمَ لا يسرد الكلام كسردكم هذا، كان كلامه فصلاً بيّنا يحفظه كل من سمعه).
المنبر رسالة مختصرة موجزة تحمل المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة؛ ولهذا كانت دليلاً على فقه الخطيب؛ ففي صحيح مسلم لما خطب عمار رضي الله عنه فأوجز وأبلغ، قيل له: لو تنفست - يعني أطلت - فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا).
المنبر ليس للإثارة أو الفرقة أو للعصبية أو قضايا السياسة وتحليلاتها ولا مجال فيها للإطالة والإسهاب؛ بل رسالة موجزة محكمة مركزة تحمل الخير للناس من معين الكتاب المبين وبساتين سنة خير المرسلين يطلب فيها الخطيب رضوان الله وجنته وليس لأحد فيها حظ ولا نصيب حينها فقط يكون المنبر رسالة لا سياسة.