كتب - علي الصحن:
وقع مسيرو الكرة السعودية في مأزق صعب عندما وضعت قرعة التصفيات الأولية المؤهلة لمونديال روسيا 2018م الأخضر في مجموعة واحدة مع شقيقة الفلسطيني، المأزق لم يكن فنياً يمكن التغلب عليه والتعامل معه داخل الميدان، ولم يكن أمراً إدارياً أو تنظيمياً في عالم كرة القدم يمكن لاتحاد الكرة السعودي مناقشته والأخذ والرد بشأنه مع الجهات ذات العلاقة... الأمر كان ببساطة يطلب أن يلعب المنتخب السعودي مع نظيره الفلسطيني في مدينة رام الله وهو أمر رفضه القائمون على الأخضر ورفضوا حتى مناقشته، حدث ذلك وسط تعنت من بعض القائمين على الرياضة الفلسطينية، الذين لم يتعاملوا مع الأمر بروح رياضية، بل أصروا على اللعب في رام الله.
الاتحاد السعودي في عهد إدارته السابقة أكد غير مرة: «أنه لن يلعب في فلسطين طالما كانت خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا على انسحاب المنتخب من المواجهة نظيره في حال إصرار الاتحاد الدولي لكرة القدم على لعبها في رام الله، ورحب الاتحاد بأي عقوبة قد تفرض عليه نتيجة موقفه الصارم حتى ولو وصل الأمر لشطب نتائج المنتخب في التصفيات».
الاتحاد السعودي أيضاً لم يكن يعرف ما يمكن أن يقرره الفيفا مقابل رفض اللعب والانسحاب، رغم أن رئيس الاتحاد السابق أحمد التقى رئيس الفيفا السابق جوزيف بلاتر في زيورخ وشرح له وجهة نظر الاتحاد ومبرراته لعدم مواجهة فلسطين في رام الله في المباراة المقرر موعدها في 13-11-2015م.
الشارع الرياضي المحلي كان يترقب الأخبار وينتظر المستجدات، ويأمل بأن يغير الجانب الفلسطيني من موقفه، لكنه كان يصدم بمواقف رئيس الاتحاد الفلسطيني جميل الرجوب الذي نقلت تقارير إعلامية في سبتمبر 2015 تهديده بترك منصبه في حال نقل المباراة إلى ملعب محايد « إذا تم فرض الرغبة السعودية بنقل المباراة خارج فلسطين فإنه لا داعي ولا حاجة لبقاء اتحاد فلسطيني لكرة القدم» وكان الرجوب قد صرح في مناسبات سابقة أيضا عن استقالته إذا فرض على المنتخب الفلسطيني اللعب خارج أرضه أمام السعودية «.
في تلك الأثناء كان الشارع الرياضي يترقب، وأحداُ لم يكن يتصور ما الذي يمكن أن يقرره فيفا في حال الانسحاب، ورفض اللعب في فلسطين :
- هل يكتفي بإلغاء نتيجة المباراة فقط وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى إضعاف موقف الأخضر في التصفيات.
- هل يقرر شطب نتائج الأخضر في التصفيات وإعلان خروجه منها.
- هل يتخذ فيفا عقوبات أخرى تمس سمعة الكرة السعودية، وربما تؤثر على مستقبلها؟
إضافة إلى ذلك كان الشارع الرياضي السعودي يؤمل كثيراً على منتخبه ببلوغ المونديال ووضع حد لغيابه الطويل عن أكبر تظاهرة رياضية في العالم، وخاصة وأن المنتخب يضم نخبة من النجوم قد لا يسعفها الحظ والعمر في المشاركة في تصفيات المونديال ما بعد القادم.
في الثالث من نوفمبر 2015 قالت تقارير إعلامية : «إن صاحب السمو الملكي «الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد قد أجرى اتصالاً بالرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، وجرى خلال الاتصال استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين ومستجدات الأوضاع في القضية الفلسطينية، كما قدم سموه شكره للرئيس على كافة جهوده في ذلك وحرص فخامته على تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين.
وأكدت مصادر مطلعة أن سموه طلب من الرئيس الفلسطيني التدخل، فيما يخص رفض رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم «اللواء جبريل الرجوب «، نقل مباراة المنتخبين الشقيقين (السعودية- فلسطين)، وعدم مراعاته للأسباب التي قدمت لنقل المباراة.
وأن الرئيس الفلسطيني استجاب سريعاً، وأبدى الموافقة على نقل المباراة إلى ملعب آخر خارج «رام الله «، سواء في أرض محايدة أو في السعودية؛ تقديرا لمكالمة سموه».
هذا الخبر ضخ الدماء في عروق الرياضة السعودية من جديد، ورفع الكثير من الحرج عن اتحاد الكرة وعن الرياضة السعودية حاضرها ومستقبلها، هذا الخبر أيضاً كشف حجم اهتمام ومتابعة سمو ولي العهد للأخضر، رغم مسؤولياته ومشاغله وأن المنتخب والرياضة أجمع في قلب القيادة تشاركهم همها وأفراحها، تدعمها وتقف معها وتسندها وتمدها بكل عوامل النجاح.
هذا التدخل الكريم والمباشر كشف من جديد أن الأخضر في أيدي أمينة، وأن القيادة العليا للبلد لن تتركه وقت الملمات ووقت الظروف التي يعز على القائمين على الرياضة السعودية تجاوزها، وأن القيادة أيضاً لا يمكن أن تجامل على حساب سياسة الوطن وقراراته وسيادته.
تدخل سمو ولي العهد كان ملهماً لكل المنتمين للقطاع الرياضي، من يقرأ ما بين السطور، يدرك الرسائل التي تضمنها تدخل سمو ولي العهد، وهي رسائل لا تقف عند نقل مباراة، بل تصل إلى التأكيد على أهمية الحضور في المونديال، وضرورة العمل لهذا الهدف.
القائمين على الاتحاد السعودي السلف والخلف، الأجهزة الإدارية والفنية واللاعبون تشربوا الرسالة جيداً، فكانت ملهمة لهم في بقية الطريق الطويل حتى تم إعلان قرع أبواب المونديال بجدارة واستحقاق.
في الـ28 من أغسطس الماضي لقيت حظوظ الأخضر بالوصول إلى روسيا ضربة غير متوقعة بالخسارة من شقيقه الإماراتي بهدفين لهدف، ويومها هب البعض للنيل من المنتخب، والتقليل من شأنه والتشكيك بقدرته على تحقيق الهدف، كان أسبوعا طويلاً على الفريق قبل مواجهة اليابان الحاسمة، وآلة النقد لم تكتف من ضخ كل ما يدعو البعض للإحباط، والشامتون يتربصون بانتظار خروج مر في المنعطف الأخير.
في خطوة رائعة رفعت مستوى التفاؤل بالأخضر، وألهبت روح جماهيره ولاعبيه من جديد أعلنت وكالة الأنباء السعودية في الثاني من سبتمبر الجاري عن: «توجيه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بشراء تذاكر مباراة المنتخب السعودي أمام منتخب اليابان ، التي ستقام يوم الثلاثاء 14 ذو الحجة 1438 الموافق 5 سبتمبر 2017م، دعمًا من سموه - حفظه الله - للمنتخب في مشواره للتأهل نحو نهائيات كأس العالم 2018م وتقديرًا لدور الجماهير الرياضية في مؤازرة المنتخب الوطني، ووفقًا لتوجيه سمو ولي العهد فسيتاح الحضور للجمهور مجانًا في ملعب مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرياضية بمحافظة جدة «
وفي يوم الحسم كان المدرج الأخضر بمستوى الحدث، وكان النجوم في الميدان عند حسن الظن بهم فقدموا ملحمة كروية خالدة، ورسموا لوحات كروية بديعة، توجوه بتحقيق الفوز والإعلان الرسمي عن وصل المنتخب السعودي الأول لكرة القدم إلى مونديال 2018 للمرة الخامسة في تاريخه، ووضع الأخضر في مكانه الطبيعي بجانب 31 منتخباً هي صفوة كرة القدم في العالم.
ومع صافرة النهاية،كان سمو ولي العهد يصفق ويبتسم ويرسم شارة النصر، ويكافئ الرياضيين بحضوره بينهم في الملعب الجوهرة بمدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة ، لم يكتف سموه بالمتابعة عن بعد، بل كان قريباً من المنتخب بحواسه وبحضوره فزاد الفرح فرحاً، وبدا للرياضيين معنى الوصول إلى المونديال.
هنيئاً للرياضة السعودية بهذا الاهتمام من قبل القيادة، وهنيئاً للجميع بلوغ المونديال، ومن إنجاز إلى انجاز وفي كل المجالات ووطنا يرفل بالخير والأمن والأمان.