علي الصراف
يشكل العداء للوطن وللوطنية ركيزة أساسية من ركائز فكر الإخوان والتنظيمات التي تنهل من منهله. وتقوم مناهضة الوطنية على أساس يقول إن الدولة الشرعية الوحيدة هي «دولة الخلافة» (أو «دولة الإمامة» وفقا للفكر الداعشي الصفوي). وهذه الدولة لا حدود لها، وهي تمتد حيثما يوجد مسلمون، ويتعين أن تتوسع حيثما لا يوجد مسلمون أيضا. وهي لا تعترف بشرعية ولا بمواثيق دولية ولا بمعاهدات ولا التزامات. والمجتمعات الإسلامية كلها (في نظرها) نسيج واحد، ويتعين أن تكون كيانا واحدا، لا يقر بأي قيمة من قيم «المجتمع الدولي» ولا بمؤسساته، ولا بمصالحه المشتركة.
هذه الفكرة تقول أيضا إن الانتماء لأي وطن هو كفر. لأن الانتماء الوحيد الصحيح هو للإسلام. وقد لا تعرف كيف وضعوا الإسلام في موضع تصادم مع الأوطان، ولكن ذلك لم يكن من دون سبب. فالغاية تفترض أن إعلاء الإسلام يبدأ بهدم الأوطان. هذه هي المعادلة. ولا تسأل لماذا لا يكون الأمر: «ازدهار الأوطان، لإعلاء الإسلام». ولا تسأل كيف يمكن لأي إنسان أن يدافع عن دينه وهو لا يشعر بالانتماء الى أرضه. كما لا تسأل، كيف لا ينظر المرء الى وطنه، كنسيج وروابط وقيم ومصالح خاصة، كما بيته الذي له جدران تميزه وجيران يرتبط معهم بعلاقات.
ولكن ما يعني كل ذلك؟
أولا، إنه مشروع سياسي-أيديولوجي، نشأ تحديداً مع ظهور حركات الاستقلال من الاستعمار. في مصر مثلا، كان «الاخوان» يتلقون الدعم من «شركة قناة السويس» البريطانية، وذلك من أجل أن يتحولوا الى قوة تقاوم التطلعات الاستقلالية للمصريين. الشيء نفسه حصل في كل بلد ظهرت فيه قوة وطنية تسعى الى التحرر من ربقة الاستعمار.
لم تنجح كل الحركات الوطنية في بناء دول على أسس راسخة. هذا صحيح. ولكن الفشل جاء ليتوافق مع تطلعات المستعمرين الذين سعوا الى النيل منها، فدعموا كل من يناهضها باسم الدين.
ثانيا، هو مشروع هدم. (هذا يقر به كل الداعشيين على حد سواء). البناء يبدأ، حسب النظرة الإخوانية-الصفوية، من هدم كل شيء لكي يقام على أنقاضه كيان مفتوح، عائم، هلامي، يتصارع مع نفسه، لكي تتم تصفية كل اختلاف في نسيجه الاجتماعي، بالقتل الفوري، والترويع العام.
ثالثا، إنه مشروع حرب أهلية وتكفير جماعي. (النموذج الصفوي في العراق، تمكن من قتل مليون إنسان على الأقل وتهجير خمسة ملايين. وهو حصد النتيجة نفسها تقريبا في سوريا أيضا).
رابعا، إنه مشروع قطيعة مع العالم، ومع الحضارة الإنسانية، ومع حركة الاقتصاد الدولي وقواعده وضوابطه ومصالح الأوطان فيها. داعش تسمي هذا التوجه «إدارة التوحش». الإخوان والصفويون ينتهجون التصور نفسه، على أساس «التمكين» لقطيع الذئاب.
خامسا، إنه مشروع مليشياوي بالدرجة الأولى. إنه، بالأحرى، مشروع عصابات تنهب وتسلب وتستولي على مقدرات البلاد والعباد، كلٌ حسب ما يراه مناسبا له.
سادسا، إنه مشروع لهدم صورة الإسلام؛ هدم قيم الاعتدال والوسطية فيه؛ هدم التعايش والتعاون على الخير والمصلحة مع الآخرين.
سابعا، إنه مشروع لـ «الفوضى الخلاقة»، حيث يتحول كل شيء الى ركام، وحيث يتحول كل نسيج الى خرقة ممزقة، وليكون «الاخوان» وأشباههم نموذجا حيّا للبومة التي تنعق فوق الخراب.
هؤلاء هم اللاوطنيون. وهذا هو مشروعهم. ولئن بدا مستنقعا للعشوائية والفوضوية والقسوة، فانه لا يقوم إلا على بحر من دماء، يفيض بعشرات الملايين من الضحايا، ويغصّ بأشد العذابات مرارة بين الناس، إلا إذا انتموا الى قطيع الذئاب.