رقية سليمان الهويريني
قبل سبعة وثمانين عاماً أقر موحِّد المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز -رحمه الله- بحزم وشجاعة وحكمة، يوماً في السنة ليكون اليوم الوطني للمملكة، بعد مداولته الرأي مع كبار رجالات الدولة في زمن كان المجتمع يرزح تحت نير الجهل، ولا يدرك بعض الناس معنى الوطن بحدوده السياسية، وصورته الحضارية!
العجيب هو تحديده يوم الوطن في ظل وضع اجتماعي يغلي بالقبائلية في أعتى صورها، والمناطقية في أشد حالاتها، والمذهبية في أقسى أشكالها! ولا شك أن توحيد الملك عبد العزيز لهذا الكيان الكبير تحت مسمى واحد؛ يُعد إنجازاً فريداً، لذا كان من المحتم استشعار هذا اليوم التاريخي؛ بداية من التوحيد ومشقة المعارك التي خاضها الملك المؤسِّس، وحتى إقرار السياسة الحديثة من وزارات وهيئات حضارية ومؤسسات لمجتمع مدني يزخر بالحضارة والشباب، مما يعتبر آنذاك أمراً استثنائياً، كشجاعته واستعانته - يرحمه الله - بالخبرات الأجنبية في التنقيب عن النفط؛ تلك الثروة العظيمة، ومن ثم السياسة الحكيمة في استخراجها وتسويقها، والانضمام للمنظمات العالمية كأحد أعضائها المؤثرين، وإعراضه عن المثبطين والمتشددين! كل تلك الإنجازات الهائلة هي التي جعلت بلادنا بهذا المستوى، والمكانة.
إنّ قرار المؤسِّس بتثبيت التاريخ الميلادي، في 23 سبتمبر وهو ما يوافق الأول من برج الميزان من السنة الشمسية، وفي أول يوم من الخريف يُعد اختياراً موفقاً، فهذا الفصل مرحلة انتقالية يتغير فيها المناخ ويعتدل الطقس فتنخفض درجات الحرارة تدريجياً، وتتساوى فترتا النهار والليل، وتهطل الأمطار الغزيرة على بعض المناطق وتكثر هجرة الطيور، وتبدأ بوادر الزراعة، ويكون الجو عليلاً في الليل، وفي هذا الفصل بالتحديد تغدو الحياة ميالة نحو السكينة والهدوء.
إنّ التحدي الكبير هو استمرار نمو المملكة وتقدمها واستقرارها بمشاركة فاعلة بين الحكومة والمواطنين حتى تكبر وتكبر دون أن تشيخ، بل يتجدد شبابها مهما مرت عليها الأيام وتصرمت السنوات!
حفظ الله بلادنا من كل سوء، وأدام عليها نعمة الأمن والاستقرار.