د. محمد بن إبراهيم الملحم
من الذين يسرقون الحصص؟ هل هم المعلمون الذين لم ينهوا المنهج؟ ليسوا هم، فهؤلاء لا ينطبق عليهم تعريف سارق، لأن السارق هو من يأخذ ما يملكه غيره بهدف تملكه له هو شخصيا بينما مثل هذا المعلم لا يستفيد شخصيا بل الفائدة للطلاب، إذا من يسرق حصة؟ وماذا يستفيد شخصيا؟ يؤسفني أن أقول إنهم أيضا معلمون آخرون وأحيانا المرشد الطلابي بل أحيانا صاحب السعادة مدير المدرسة أو من يسمونه مؤخرا «قائد المدرسة» ويفعلون ذلك فرادى وربما يتآمرون جميعا على السرقة ! تصوروا أيها الأفاضل، تربويون يعلمون الجيل الأخلاق يقومون بالسرقة عينك عينك... وليتهم يسرقون المال، بل ما هو أغلى من المال، يسرقون وقت الطالب، حصة الطالب هي وقته وهو أغلى ما يملكه في الحياة في هذه المرحلة العمرية من مسيرة حياته.
وسؤال مهم آخر: من يسرقون؟ أعلم أن الجواب هو الطلاب ولكن أي الطلاب؟ إن الضحية أيها السادة هو نفس الضحية في واقع الحياة، فمن يتعرض للسرقة في العادة هو «الغني»، الذي يملك الكثير، أما الفقير فلن يسرقه احد، وبنفس المنطق فإن هؤلاء اللصوص يسرقون الطلاب الأغنياء والأثرياء، الضحايا يا سادة هم الطلاب المتفوقون والطلاب الموهوبون، هؤلاء هم مادة الهياط ووسيلته وهم المحتوى الدسم لتلميع صورة المدرسة بل وإدارة التعليم وأحيانا مقام الوزارة السامي، فهم يمثلون مدرستهم أو منطقتهم أو وزارتهم في المحافل ويبهرون ويجذبون الأضواء ولكي يصلوا إلى هذا المستوى فلابد من تهيئتهم وتدريبهم و»صقلهم» وهذا لايكون دون توفير وقت كاف لذلك ولا أحسن من وقت الدراسة صباحا ففي المساء لن يأتي هؤلاء الطلاب لارتباطاتهم المتنوعة سواء الدراسية أو العائلية أو «البلاي ستيشنية» أو «اليوتيوبية» أو أيا كانت، فهذا وقتهم المخصص للمرح بعد تعب اليوم الدراسي، أما ما كان يفعله الجيل السابق من الموهوبين (سواء في المسرح أو الإنشاد أو العلوم والرياضيات أو الفن والرسم أو..الخ) بحضورهم المدرسة في المساء وتحويلها إلى خلية نحل من عمل وتدريب وما إلى ذلك فإن جيل اليوم لن يقوموا به لتغير ظروف الحياة، إلا قليل منهم، وبالتالي فلا مناص من استثمار ما وهبهم الله من كنز حصص المواد الدراسية لإعدادهم وتحضيرهم لحفلة الإبهار والتي غالبا يظهر بعدها كبير السارقين ليبتسم للأضواء ويقال عنه هذا الذي أنتجت مدرسته (إو إدارته أو وزارته) هؤلاء المبدعين ! يتم إخراج الطلاب من حصص الدين والعلوم الإنسانية باختلاف موضوعاتها ولكن تتم التضحية أيضا بمواد الرياضيات والعلوم والتي تنخفض فيهما احتمالية التعلم الذاتي كثيرا وتكون للحصة قيمة أعلى بكثير من غيرها من المواد. لماذا تفعلون ذلك؟ لماذا لا يظهر المبدع على سجيته وبإمكاناته الطبيعية؟ وإن كانت هناك حاجة للتدريب فأين ذهبت حصة النشاط؟ ولماذا نسمح لقيمنا المتدنية أن تتسلل إليهم؟ لماذا لا تكون هذه الظاهرة من اهتمامات الوزارة «للإصلاح»؟
ليست المسألة فيما يفقد الطالب من فرصة التعلم في الحصة فقط بل يتعدى الأمر ذلك إلى زرع مفهوم «التسيب عن الحصة»، كثير من الطلاب المتفوقين لا يتخيل نفسه خارج الفصل أثناء شرح الأستاذ للدرس، فقد عاش سنوات دراسته لم يفعل ذلك قط فإذا جاءت حاجة لمشاركته نشاطا من هذا النوع «الهياطي» في مرحلة متقدمة كالمتوسطة أو الثانوية وتم إخراجه بواسطة معلم أو مسئول بالمدرسة بهدف التدريب على النشاط فإن شعوره بوجوده خارج الدرس لأول مرة مماثل لمن يمارس خطيئة لأول مرة في حياته، أنا شخصيا أحسست بذلك ورواه لي عدد من زملائي ولعل كثير من القراء مروا بهذه التجربة. والآن وبعد أن جاءت حصص النشاط الجديدة بما تحمله من متطلبات تنفيذ ومسابقات وزيارات وحفلات ومشاركات ينبغي أن تظهر بها المدرسة لتثبت تنفيذها للنشاط بموجب ما تقتضيه هذه الزيادة في الحصص الدراسية فإن احتمالية تسخير نفس الظاهرة (سرقة حصص المواد) يمكن أن تستفحل حيث قد لا تكفي حصص النشاط الأربع لإشباع طموحات بعض المدارس لمستوى الهياط الذي ترغب أن تظهر به بما يشرفها ويرفع أسهمها لدى المسئولين فهناك تقييم ومسابقات وجوائز، ولذلك ندائي لكم أيها «الشرفاء» من المسؤولين: اقبضوا على لصوص الحصص.