فضل بن سعد البوعينين
تقاتل حكومة قطر لحجب تداعيات المقاطعة الاقتصادية عن مواطنيها في الداخل؛ وإظهار التعافي الاقتصادي للخارج وبما يسهم في وقف تسرب الودائع والاستثماراتـ وتحفيز المودعين للقبول بربط ودائعهم في القطاع المصرفي القطري وتخفيف معاناة السيولة؛ ومخاطر ارتفاع نسبة القروض للودائع؛ وتحويل المدخرات من الريال للدولار وارتفاع حجم تحويلات القطريين والأجانب للخارج.
بالرغم من رفع أسعار الفائدة على الودائع بشكل مبالغ فيه؛ إلا أن البنوك القطرية عجزت عن تعويض الفاقد من ودائع الأجانب، ما دفع بالحكومة القطرية للاستعانة بصندوقها السيادي وتسييل بعض أصوله لتوفير السيولة اللازمة لدعم الاقتصاد. أشارت صحيفة «فايننشال تايمز البريطانية»، إلى أن قطر ضخت ما يقرب من 38 مليار دولار من احتياطياتها الخارجية لدعم الاقتصاد؛ أي ما يعادل 10 في المائة من مجمل احتياطياتها الخارجية. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل تجاوزه إلى استثمار ما يقرب من 25 في المائة من الدخل الحكومي لتغذية الاقتصاد؛ وهو أمر لم يكن مطبقاً من قبل. وبمقارنة بسيطة نجد أن حجم الأموال التي ضخت في الاقتصاد تعادل تقريباً حجم الودائع المتسربة من القطاع المصرفي، ما يعني عجز البنوك عن تعويض الفاقد من الودائع وتوقف تدفق الاستثمارات الأجنبية؛ والتحويلات الداخلة المغذية للشركات الأجنبية في قطر.
السحب الممنهج من الاحتياطيات الخارجية وبمعدلات غير مسبوقة، سيتسبب في استنزاف الاحتياطيات الخارجية بشكل متسارع، ما سيؤثر سلباً على قدرة الاقتصاد على التحمل والملاءة والتوازن المالي وسعر صرف الريال، وقدرة البنك المركزي على المحافظة على سعر الربط الحالي. تقلص الاحتياطيات سيدفع وكالات التصنيف لإجراء مزيد من الخفض لتصنيف قطر السيادي وقطاعها المصرفي، وهو إجراء متوقع وسيؤثر بشكل كبير على تكلفة الديون السيادية وقدرة قطر على جذب أي استثمارات أجنبية أو نجاحها في المحافظة على ما تبقى منها.
لا تخلو عمليات التخارج وتسييل الاستثمارات القطرية في الخارج، من شبهة تحويل الأموال الحكومية إلى حسابات خاصة مرتبطة بالنظام، تحسباً لما قد يحدث في قادم الأيام. مخاوف النظام من مخاطر التغيير دفعته لترتيب بعض الاستثمارات الخارجية ونقل ملكيتها لحسابات، خاصة في مقابل خصومات وعمولات مرتفعة تدفع للوسطاء والمؤسسات المالية العالمية المسؤولة عن إدارة الاستثمارات القطرية. قدرة أمير قطر السابق حمد بن خليفة على تقييد صلاحيات ابنه المالية؛ والاحتفاظ بصلاحياته في إدارة الأصول القطرية، تجعله قادراً على إجراء التناقلات المالية لمصلحته الخاصة وضد مصلحة قطر وشعبها الذي سيتفاجأ لاحقاً بحجم الديون المتراكمة على قطر ومحدودية احتياطياتها المالية، مقارنة بالثابت منها العام 2016. يبدو أن عمليات التسييل والتخارج تمر بهدوء وتحت غطاء احتياجات الاقتصاد للسيولة العاجلة؛ وهو أمر مقبول نسبياً؛ إلا أن حجم التسييل يفوق بكثير حاجة الاقتصاد القطري ما يستوجب المراقبة والتدقيق من كل من تهمه مصلحة قطر وشعبها، خاصة من أعضاء الأسرة الحاكمة الساعين لإصلاح الأمور وحماية قطر من السقوط المدوي. ملف الاحتياطيات الخارجية يجب أن تكون له الأولوية لدى الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني وجميع من تهمهم مصلحة قطر وشعبها؛ لضمان وقف التخارج والتحويل الممنهج من الاستثمارات الحكومية إلى الحسابات الشخصية التابعة للنظام الحاكم