د. فوزية البكر
احتفلت مدارس المملكة في بداية هذا العام باستقبال ما لا يقل عن ستة ملايين طالب وطالبة يقوم على العناية بهم أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة محملين بنفس تربوي جديد هدفه تحفيز وتحبيب التعليم للطلاب، وما يتبع ذلك من نقل مسئولية التعلم من المدرسة والمعلمين إلى الطلاب أنفسهم عن طريق تهيئة بيئة تعليمية حاضنة توفر التعليم والتوجيه والأنشطة الطلابية مع تقديم المتابعة والتحفيز من الأهالي والوزارة.
ولعل أبرز خطوات الوزارة هذا العام هو: تقليل الإجازات في العام الدراسي الجديد مع الالتزام بإنهاء الامتحانات كافة يوم 29 شعبان 1439هـ لتصبح عطلة الصيف المقبل من أطول العطل التي سيستمتع بها الآباء والأبناء (لا أعرف هل نفرح أم نبكي لطول الإجازة كأهالي؟!) ويتطلب تنفيذ سياسة الالتزام الكامل بالدوام دعما مجتمعيا كبيرا يتمثل في الأهالي الذين يجب أن يكونوا عوناً للوزارة في عدم التشجيع على تغيب أبنائهم في أول أو آخر الإجازة أو أيام الامتحانات أو ما يسبقها ويعقبها وكعاملة في القطاع التعليمي أعرف بوضوح المتاعب الجمة التي تواجهها المدارس والوزارة مع الأهالي والأمهات تحديداً في الاتصال بمشرف المدرسة (استجابة لطلب الأبناء والبنات) من أجل الخروج مبكراً (لأن كل الفصل غايب!) كما يتطلب الأمر جدية عالية من المدارس سواء في الأنظمة الضابطة لدوام الطلاب أو في سياسات البدء في التعليم مباشرة من أول يوم عبر إقناع المعلمين أولا بالالتزام بذلك!
المتغير الثاني الجديد على المدارس هو زيادة ساعة في الدوام المدرسي وتخصص للنشاط وذلك على مدى أربعة أيام في الأسبوع من الأحد حتى الأربعاء مع وضع خطط وجوائز ومحفزات للمدارس لاستثمار هذه الساعة بشكل فعلي.
ويرتبط هذا المتغير الجميل الذي أسهب البعض في انتقاده بالمتغير الثالث وهو إدخال برامج الرياضة البدنية في مدارس البنات بشكل رسمي (حيث إنها توجد منذ أزمان طويلة بشكل غير رسمي في كثير من مؤسسات التعليم الأهلية في التعليم العام وفي بعض الجامعات الحكومية)، وينتظر من هذه الساعة -بإذن الله- أن تزيد من شعلة النشاط البدني الخامدة في مدارسنا الحكومية والخاصة فحتى ومع وجود الرياضة في مدارس البنين منذ وجدت إلا أنها لم تتجاوز على الأكثر حصة دراسية واحدة في الأسبوع مع استغلال بعض حصص غياب أو فراغ بعض المعلمين ببعض المباريات غير المجدولة بين الفصول حيث توجد ملاعب محدودة جدا عند معظم مدارس البنين ولا تشغل جدول أو بال أحد من المدرسين أو الطلبة!!
لماذا يا ترى؟ لأنها اعتبرت مجرد نشاط عارض يقدم للتسلية وتدريج الوقت وليس كنشاط أساسي يشغل المدرسة والطلاب والأهالي، وحتى نستطيع أن ندرك الفرق سأستعرض نموذج يوم دراسي لمدرسة أمريكية ثانوية عامة يدرس فيها ابن صديقتي السعودية الآن حيث يصل الابن الساعة الثامنة للمدرسة وينتهي الثالثة لكنه لا يعود للمنزل فلديه تدريب على كرة القدم الأمريكية ولديه نشاط مسرحي يتدرب عليه لتقديم المسرحية الفصلية ولديه تقرير إعلامي يعده ليقدمه وزملاؤه في برنامج الولاية الإذاعي وعند السابعة مساء سيذهب الطلاب وأهاليهم لمتابعة فريق كرة قدم المدرسة في الضاحية الأخرى من المدينة والذي ستتبارى مدرستهم معه بعد شهرين وذلك من أجل دراسة نقاط ضعف وقوة الفريق المنافس وإعداد خطط المواجهة ومن ثم يعود جميع أفراد الأسرة حوالي التاسعة إلى المنزل والابن لا يري دربه ولا مجال لكمبيوتر أو واتس أب والأربعاء يذهب الفريق كله من المدرسة الساعة السادسة لتناول وجبة أجنحة الدجاج الحارة التقليدية ويوم الجمعة لديهم حفلة في المدرسة أو مسرح أو رحلة وهكذا لا يجد الأبناء وقتا للفراغ كما أنهم مسئولون عن أنفسهم وتوزيع وقتهم وتحديد نسب مشاركاتهم مما يطرح المسئولية مباشرة على عنق الطلاب والأسرة التي تصبح شريكا فعليا في كل نشاطات المدرسة.
يعاني طلابنا هنا من ساعات لا محدودة من الفراغ والضجر بعد انقضاء المدرسة التي يغادرونها بعد صلاة الظهر في الغالب وتتمطى ساعات النهار بطيئة إلا من ضجيج الألعاب الإلكترونية وحروب المواقع المشبوهة مع ما جلب هذا من مشكلات صحية وأمنية نعرفها جميعا ومن هنا كانت رسالة الوزارة اليوم هي تحسين البيئة المدرسية وملأها بالنشاط مع محاولة جعلها فضاء حقيقيا يحتضن الطلاب بدلا من أن يلتقطهم الشارع وهو ما نأمله: التركيز على الأنشطة الرياضية (أكثر من تضييع الوقت في أنشطة مكررة أو جديدة لا يتقنها المعلمون).
الجميع يعشقون الرياضة وهي لا تتطلب بني تحتية كبيرة فالصغار وفي كل أنحاء المملكة يلعبون الكرة ومنذ القدم حتى في أضيق الحواري لكن الأهم أيضا هو وضع برامج منضبطة لهذا النشاط تحوله إلى صناعة مدرسية تساهم في نشر القيم الرياضية السامية وتؤكد الانتماء الوطني وتشغل الطالب في نفسه ومدرسته وهل نريد أكثر من ذلك؟