د. جاسر الحربش
هل لاحظتم؟ الهندي يحاول تسجيل كل شيء ولا يتوقف عن التلفت في كل اتجاه، ويرى فعلا ً كل الأشياء المهمة. الصيني يتظاهر بأنه لا يرى أي شيء لكنه في الواقع يرى كل شيء، وأيضا ً يصور بكاميرا صينية صغيرة كلما يلفت نظره.
الفارسي يدعي أنه يرى كل شيء وهو لا يرى سوى نفسه بالماضي بالخيال الافتراضي.
العربي يعتقد أنه يرى كل شيء وهو لا يرى أي شيء، لا من الأمام ولا من الخلف، لكنه مقتنع بما يعتقد أنه يراه.
أما الأوروبي فيستنتج أن حاسة البصر لا تكفي فيقول حسنا ً علي أن أستعمل العدسات والتيليسكوبات لأحقق قدرة أكثر مما يراه هؤلاء الآسيويون غريبو الأطوار.
ما قبل النهاية تأتي التوليفة السكانية الأمريكية وتعلن في الفضائيات أنها مستعدة لتجنيس أي أجنبي يثبت أنه يرى أفضل من الآخرين.
أما في النهاية فسوف يولول اليهودي، أيها الناس أنقذوني من هذا العربي الخطير الذي يهددني بقدراته الرهيبة.
هذا الاستعراض لمواهب أمم الأرض في الملاحظة أولا ً ثم الاستنساخ والدراسة والابتكار والمنافسة هو المطابق الفعلي لما يحصل في الواقع الحقيقي وليس الافتراضي.
يجب الاعتراف بأن العربي هو المشاهد الذي يرى ويزعم أنه يرى (شاهد ما شافش حاجة)، يبحلق في كل الاتجاهات ويعتقد أنه رأى كل شيء، لكنه في الحقيقة يرى أشياء الآخرين التي ليس بينها شيء واحد أنتجه هو وفق مرئياته.
العربي لا يوجد في عينيه عيب ولا حول ولا رمد.
لكن التوصيلة بين الشبكية والدماغ مقطوعة منذ زمن طويل، فأصبح يرى ولكن لا يبصر.
ماهو العامل أو العوامل التي قطعت الاتصال بين عين العربي ودماغه، ومنذ متى وإلى متى يصبر على هذا العمى الدماغي.
هذا السؤال يحتاج إلى تفكير عميق، ومن الأفضل بعينين مغمضتين وتركيز دماغي فقط بعيدا ً عن خداع العيون.
ربما كان العربي هو المبصر الوحيد بين الأمم طيلة خمسة أو ستة قرون انتهت في القرن الحادي عشر الميلادي.
حصل شيء ما في بيئة العربي الاجتماعية أفقده نعمة الجمع بين الإبصار والتبصر.
حصل شيء ما نتج عنه وصم من يحاول الإبصار والتبصر بالزندقة والهطرقة والمروق، ومنذ ذلك الحين بقيت العيون مفتوحة في المحاجر ولكن انقطع اتصالها بالدماغ.