فهد بن جليد
سماع وحفظ وتقييم وتوثيق تجارب من بقي من كبار السن في مجتمعنا - أطال الله في أعمارهم جميعاً - أمر في غاية الأهمية، كلٌّ في مجاله وبيئته التي عاش فيها، خصوصاً فيما يتعلق ببعض الأحداث والمُسميات والمعلومات حول الأشخاص والأماكن، هذه الخطوات ستساهم كثيراً في حفظ التاريخ والموروث من أكثر من مصدر، ويمكن أن تفتح الطريق بشكل أوسع أمام الباحثين والمُتخصصين .
نعيش هذه الأيام فورة موسم الصفري الأولى، حيث يعتقد أن من أسباب تسميته بهذا الاسم هو تحول أجساد الناس قديماً فيه إلى اللون الأصفر من شدة الأمراض، وانتشارها دون أن يكون هناك علاج أو معرفة بأسبابها، هذا إذا ما استثنينا تفسيرات تتعلق بكدرة الجو واصفراره، أو أن التسمية نتيجة ألوان الطيور المُهاجرة التي ترى في السماء خلال هذا الموسم، بجلوسك مع أحد كبار السن ستعرف الكثير عن هذا الموسم وعلاماته.
مؤخراً بدأ الطب الحديث يكشف أسباب أمراض الصفري, وأنها نتيجة للحساسية وتقلب الأجواء وتحولها، وبداية موسم الأمطار وإثارة الأتربة والعواصف الرملية، في الحد الفاصل بين الصيف شديد الحرارة، والشتاء شديد البرودة، وعدم معرفة الناس، وإتقانهم لقياس البرودة المطلوبة في التكييف أو عند شرب الماء البارد, ونقص شرب المضادات الطبيعية كالليمون والزنجبيل وغيرها . إذا كان المثل يقول (ليالي العيد تبان من عصاريها) فموسم الشتاء يبان من صفرية، بمعنى أنّ العرب يحددون شكل الشتاء وشدة البرودة فيه، وكمية هطول الأمطار المتوقعة وشكل فصل الربيع، من خلال وسوم الصفري في الـ26 يوماً التي نعيشها الآن .
مفتاح أسرار هذا الموسم يمتلكه كبار السن، بالمعلومات القيمة والنادرة، من خلال تلك النصائح التي تسمعها من الفلاليح والمزارعين والبادية كلٌ في مجاله وبيئته حول تجاربهم مع موسم الصفري وأدوات قياسهم له ولآثاره، وهنا دور الجمعيات والباحثين في سماع أقوال وتجارب هؤلاء بمختلف بيئاتهم وتوثيقها وإعادة نشرها .
المُعمرون وكبار السن من الجنسين في مجتمعنا ثروة معرفية، وكنز معلوماتي وتاريخي في كل المجالات، لا يجب التفريط فيه - نسأل الله لهم طول العمر - وأقترح قيام جمعية خاصة بتوثيق التاريخ المحكي من أفواه المعمرين السعوديين، والجغرافيا المُشاهدة بأعينهم، وثقافتهم اليومية المُمارسة، فضلاً عن القصص والأحداث التي عاصروها وعاشوها ومازالت محفورة في ذاكرتهم، ومحفوظة في صدورهم.
وعلى دروب الخير نلتقي.