عماد المديفر
استبشر الشارع السعودي خيراً حين أعلنت رئاسة أمن الدولة القبض على خلايا استخباراتية عميلة للعدو.. كانت تتخابر وتتآمر طيلة سنوات مضت على تقويض أمن بلادنا الطيبة الطاهرة المباركة.. مستهدفين بخيانتهم تلك شبابنا وعقيدتنا وهويتنا والإساءة إلى منهجنا الوسطي السمح الذي نشأنا عليه أباً عن جد.. ومحاولين جرنا إلى أتون الفوضى والتطرف والتشدد والإرهاب.. قبل استهدافهم لاقتصادنا ومصالحنا الحيوية الأخرى.. بعد أن قبضوا ثمن خيانتهم من أموال السحت والحرام..
وكان من اللافت فعلاً أن مجتمعنا السعودي الواعي لم يتفاجأ مطلقاً من تورط من رشحت أسماؤهم بين الناس من رؤوس تلك الخلايا من خونة تستروا بستار التدين، والصلاح و»الإصلاح»، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و»الدعوة إلى الله» و»العلم الشرعي» و»حب الوطن والغيرة على الأمة والخوف عليها»؛ فكان منهم مشاهير تصدروا العديد من المنابر الإعلامية والدعوية والاقتصادية والحقوقية ليتسنى لهم القيام بأدوارهم الخبيثة المسندة إليهم من قبل العدو، كمعاول هدم للديننا ووطننا وقيمنا ومبادئنا وثوابتنا، من داخلنا ومن حيث لا نشعر.. إلا أن المواطن الواعي -والحق يقال ويدعو للفخر والاعتزاز فعلا- كان لهم بالمرصاد، حتى قبل أن تعلن رئاسة أمن الدولة كشف تلك الخلايا؛ فقد كانت تلك الأسماء بالفعل مثار تساؤلات في أوساط المجتمع السعودي منذ زمن، بل وأصبح المجتمع يميز خبثهم وعمالتهم بوضوح ذروة فترة الفوضى والدمار، أو ما سُمي بـ «ثورات الربيع العربي».
الأمر الذي انعكس بجلاء على ذلك الاطمئنان والشعور الوطني الجارف الذي عم أطياف المجتمع بعد سماعهم تلك الأنباء، وهو ما أوعزه إلى الوعي الوطني والحس الأمني الذي يتمتع به المواطن السعودي، فارس الأمن الوطني الأول.. وثقته التامة بأجهزة الوطن الأمنية والقضائية، وما تراكم لديه في الذاكرة حول تلك الأسماء، وأعتقد جازما أن المواطنين الفرسان الواعين الذين سبق وأن تنبهوا للعديد من هؤلاء.. ووضعوهم ضمن قوائم الاشتباه السوداء؛ هم بانتظار ما تسفر عنه التحقيقات والمحاكمات والبيان الرسمي.. وأن يكون الجزاء الحازم والحاسم والرادع والمشدد في انتظار الخونة.. وليكونوا عبرة لغيرهم.. فلا ذنب ولا جرم يعادل الخيانة والإفساد في الأرض.
لقد أثبت المواطن السعودي وعبر الأزمنة والأحداث.. وآخرها ما أسماه العدو بـ»حراك 15 سبتمبر» وعيه التام، وولاءه الكامل لدينه ومليكه ووطنه، ووقوفه صفاً واحداً خلف قيادته الحكيمة.. وثقته البالغة بكفاءة أجهزتنا الأمنية.. وراجياً ومتمنياً من الدولة -وفقها الله- أن تمضي قدماً في عزمها على اجتثاث الإرهاب ومنابعه وتمويله ودعاته، بل ومستبشراً بكل ثقة.. ومستنداً على بيان رئاسة أمن الدولة، بأننا وكما أطلقنا عاصفة الحزم في الخارج فنحن نعيش اليوم عاصفة حزم داخلية ضد أعداء الوطن وعملاء العدو.
لطالما واجهت بلادنا التحديات تلو التحديات.. والصعاب تلو الأخرى.. فكانت تخرج من كل واحدة منها، وهي منتصرة، أكثر قوة وصلابة وتماسكاً. فمن معركة السبلة، إلى حرب اليمن، فحرب الوديعة.. إلى حركة جهيمان.. مرورا بحرب الخليج الأولى، فالاعتداءات الإيرانية الإرهابية على الحجاج.. فحرب الخليج الثانية.. فأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم سلسلة الهجمات الإرهابية التي ضربت المملكة، فأحداث ما سمي بـ»الربيع العربي» وما ترافق معه من عمل معلن -بعد أن كان مستتراً- ومنظم للخونة من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين داخل المملكة، وفي مقدمهم «السرورية».. فداعش.. والحوثيين وغيرهم.
فما كانت هذه الأزمات تزيدنا إلا متانة ولُحمة ومنعة، إذ كانت تكشف لنا أخطاءً سابقة كنا نقع فيها، ما تسبب بخلق ثغرة هنا، أو هناك.. استطاع العدو النفاذ من خلالها وتوظيفها، ومن ثم تهديدنا بها.. إلا أن الضربة التي لا تقض عليك؛ تقويك.. ففي كل محنة منحة، وفِي كل تحدٍ فرصة.
لقد أضحى الجميع اليوم على يقين بأن بلادنا -حماها الله- وكما قال سيدي نايف بن عبدالعزيز عليه رحمة الله: مستهدفة، مستهدفة في عقيدتها وفِي أمنها وفِي إنسانها.. وأن بلادنا كانت -ولا تزال- الهدف الأساس، و»الجائزة الكبرى» -كما يُمني الأعداء أنفسهم- وعلى رأس قائمة الدول المستهدفة في مشروع «الفوضى الخلاقة» وفوضى «الدمار العربي» وما سمي بمخطط «الشرق الأوسط الكبير».. كونها حصن الإسلام الحصين، وجداره المتين، ومنبعه الصافي العذب الأصيل.. و»قلعة الصمود الأقوى في بحر الاختلال العربي والإسلامي» كما وصفها محلل سياسي غربي في خضم حديثه عما يسمى بـ «ثورات الربيع العربي».
إلى اللقاء.