يوسف المحيميد
لم يتمتع منسوبو التعليم في حياتهم الوظيفية بمثل هذه الإجازة الصيفية الطويلة، حتى أصبحوا في موضع الحسد من قبل الآخرين، وربما التهكم والتندر بأنهم نسوا مواقع مدارسهم، ونسوا ملامح بعضهم بعضًا، ومع ذلك أثار قرار الوزير بزيادة ساعة واحدة على يومهم الدراسي، كنشاط لا صفي، استياء البعض منهم وغضبهم، بينما الطبيعي لمن يعشق مهنة التعليم، ويعتبرها شرفًا له، أن يفكر جيدًا بكيفية استغلال مثل تلك اللحظات التي يخرج فيها الطالب من روتين المقرر ونمطيته، ويستخرج كنوز المواهب في تلاميذه ويكتشفها، التي قد يكون له يوماً دور مهم في تمثيل الوطن في المحافل الدولية.
ولا شك أن هذه الإجازة الطويلة ستؤثر على أجندة المدارس في الفصول القادمة، بما يجعل الدراسة تمتد إلى وقت طويل ومتصل دون إجازة صغيرة يلتقط فيها التلاميذ أنفاسهم، ففي كثير من الدول المتقدمة يتمتع الطلاب بإجازات قصيرة موزعة خلال العام الدراسي، فبعد كل شهر ونصف تقريباً يُمنح الطلاب إجازة لبضعة أيام مع عطلة الأسبوع، أو حتى أسبوع كامل، يستعيدون فيها طاقتهم وتركيزهم ونشاطهم.
ولعل الغريب في الأمر، تلك النظرة المجتمعية للمدارس على أنها همٌّ ثقيل، حتى المؤسسات الخاصة والمكتبات ذات العلاقة بعودة الطلاب إلى مدارسهم انساقت خلف هذه النظرة الكارهة للمدارس، مع أن المنتظر من كل الجهات، وعلى رأسها وزارة التعليم، تعزيز دوافع المحبة والفرح بالعودة إلى المدرسة، إذا كان هناك من هدف سامٍ ونبيل للتعليم فهو تحقيق هذا الهدف، بتحويل المدرسة إلى بيئة جاذبة، لا بيئة طاردة وثقيلة الوطأة، وهذا ليس مستحيلاً خاصة مع تغير التعليم كثيراً خلال الخمسين عامًا، ربما قديمًا كان التلميذ يعاني من الضرب المبرح والجلد القاسي أمام زملائه، مما يجعله يهرب ويتسرب مبكراً من التعليم، لكنه الآن أصبح يناشد ويطالب، وتُحقق كل رغباته لخلق بيئة تناسبه... فلماذا لم تزل المدرسة (بعبعاً) يثير حفيظة الأهل والمجتمع قبل التلاميذ أنفسهم؟
على الوزارة أن تعزز مفهوم أن المدرسة بيئة جميلة، تضاهي بيئة المنزل وأكثر، وما يستمتع به الطفل في منزله، يمكن أن يجده داخل أسوار المدرسة، على الوزارة أن تكرس مفهوم أن المدرسة ليست سجنًا يقضي فيه التلميذ محكوميته، عليها أن تعمل جادة في تبسيط الحياة الدراسية، والتعليم من خلال المتعة والتسلية، لا من خلال الحفظ والتخويف والترهيب، فهذه المفاهيم عفى عليها الزمن، ولم تَعُد موجودة في أنظمة التعليم الحديث في العالم.