د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
سنحتفل بعد أيام قليلة بالعيد السابع والثمانين لوطننا الحبيب، وهي ذكرى غالية علينا جميعا إذ إنه اليوم الذي اجتمع فيه شملنا بعد تفرق، وتحقق فيه الأمن والأمان لمختلف مناطق المملكة على اتساعها وتباعدها، ولم يكن ذلك ممكنًا دون عزم الرجال والتفافهم حول القائد المؤسس الملك عبدالعزيز طهر الله ثراه وأحسن مثواه. وتواصل الأمن في هذا الوطن الغالي العزيز في عهد أبنائه من بعده. نعمة نشكر الله عليها أولا، ونشكر عليها قادة دولتنا من المؤسس وحتى ملك الحزم والعزم الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان. فلا يغالط إلا مكابر في أننا خطونا خطوات كبيرة جداً في هذه الأعوام في كل مجال من مجالات التطور.
غير أن العيد الوطني ليس ذكرى فقط، وليس مناسبةً للاحتفال بل هو تذكرة بواجبات الجميع تجاه الوطن سواء كانوا دولة، أو مسؤولين، أو رجال أعمال، أو مواطنين، بضرورة الحفاظ على أمن هذا الوطن أولاً، وعلى مكتسباته بعد ذلك. نعم يمكننا ويحق لنا جميعًا أن نفرح ونحتفل بوطننا ولكن يجب أن نبقي أعيينا مفتوحة لحراسة أمنه وصون مكاسبه، فنحن نمر بمرحلة حرجة يتربص فيها الكثير بنا. ليس الأعداء المعروفين فقط هم من يتربص بنا بل وللأسف أشقاء احتضناهم وتسامحنا معهم لفترات طويلة. فكثير من الحاسدين لا يغمض له جفن ولا يهدأ له فؤاد وهو يرى وطننا ينعم بالسلم والسلام والنعم والخيرات. وعلينا أن نعتبر بما يجري حولنا في بلدان أخرى كانت حتى عهد قريب تنعم برغد العيش والأمان فتحولت إلى فوضى عارمة أتت على الأخضر واليابس، فوضى حولتها إلى ساحات قتل للأرواح الآمنة، ونهب للأموال المستأمنة، وهتك للأعراض المصانة.
اليوم الوطني هو لحظة تأمل لواقعنا وواقع العالم من حولنا، لمراجعة مواقفنا منه، وموقعنا فيه. فالعالم من حولنا يتحول بسرعة مذهلة غير مسبوقة في التاريخ وفي الجغرافيا، سرعة تستفيد من فرصها دول، وتكتوي بها دول أخرى، والفائدة والغلبة دائما لمن يستطيع قراءة عناوينها ويستبق أحداثها، لا لمن يتجاهلها، أو يحاول إيقافها.
اليوم الوطني هو يوم تعزيز تقارب الحكومة مع الشعب، وزيادة اللحمة والثقة بينها وبين الشعب بمختلف طوائفه، ونبذ الطائفية والقبلية والتطرف أيًا كان مصدره. فيجب أن يرتفع حس المواطن بالمسؤولية تجاه الوطن وتجاه وحدته. يجب أن نركز على بناء وطننا والمشاركة بفعالية في كافة خططه التنموية وألا نلتفت إلى من يحاول أن يخذلنا أو يحبطنا بأي أسلوب كان. واليوم الوطني مناسبة لجميع المسؤولين ليتذكروا ما قدموا لوطنهم من مواقع مسؤوليتهم، لمراجعة ذواتهم، وأداء أجهزتهم، ليس ليفتخروا أو يفاخروا بها كإنجازات شخصية ولكن لينظروا لها كمكتسبات وطنية. فاليوم الوطني مناسبة مؤاتية لهم ليقدموا لوطنهم ما يتذكرهم به وطنهم وليس العكس.
اليوم الوطني ليس ذكرى للماضي بل يجب أن يكون تذكرة للمستقبل أيضا لا أن يبقى رقم يضاف لسابقه، فيختلف كل عيد عن سابقه بمنجزات وعطاءات تخلده. فنحن نتذكر اليوم الوطني الأول ليس لأنه يوم مهم من تاريخنا فحسب، بل لأنه اليوم الذي أنجزنا فيه وحدتنا، إنجاز تاريخي عظيم يجب أن نقيس عليه إنجازات بقية أيامنا الوطنية. وعليه يجب أن نخطط لليوم الوطني القادم من اليوم الوطني الحالي.
اليوم الوطني تذكير لجميع من يتغنى بأرصدته في الخارج بأن وطنه في الداخل أحق بها من الخارج، وأن هذه الأرصدة تبقى أرقام صماء ما لم تتحقق في منجزات يراها الجميع ويبنى عليها إنجازات أكبر في المستقبل. والتاريخ يعلمنا أن جميع من اعتقدوا أن أرصدتهم ستكون وطنا بديلا لهم فقدوا أرصدتهم وفقدوا وطنهم معها.
اليوم الوطني أيضًا مناسبة لنعي أهمية الحفاظ على البيئة، وأهمية إنمائها وعدم العبث بها. وأن نعي كذلك أهمية الحفاظ على الممتلكات العامة، والحفاظ على النظام والنظافة العامة.
أعاد الله علينا أيامنا الوطنية بمزيد من العزة والكرامة والرخاء، وحمى الله بلادنا، وقادتها، من كل مكروه.