د. جاسر الحربش
المندمجون السعوديون في منظومة الدوحة / بشارة / الشرق الأوسط الجديد ليسو أذكياء ولا شرفاء ولا إصلاحيين. ليسو أذكياء لأن جنون الافتتان بالذات جعلهم يظنون أن غالبية المواطنين سوف تأتمر بأوامرهم متى أعلنوا ساعة الصفر، وليسوا شرفاء لأن الأجندة الأجنبية التي انتظموا فيها خبيثة النية والأهداف تجاه العرب تحديداً، وهم ليسوا إصلاحيين لأن النموذج الذي يدفعهم ويدفع لهم نموذج فاسد اقتصادياً في تصرفه بالأموال والثروات، ومشبوه عقائدياً لتلاعبه بالمذهبية والعرقية والطائفية حسب متطلبات من جنَّده، وعاق عائلياً لقفز الولد على أبيه وخفره إلى المطار ونفيه دون رجعة إلى خارج البلاد، وغادر لأنه يطالب جيرانه بتحقيق ما هو أبعدهم عن تحقيقه في بلده الصغير.
لن أشكِّك في وجود شريحة ما من السعوديين، لا أعرف طولها من عرضها (لكنها بالتأكيد هامشية) تتعاطف مع الفكر التنظيري الذي يختبئ المتآمرون وراءه، وهذه المرحلة انتهت. مرحلة التعاطف معهم انتهت لأن الشعوب أصبحت شاهداً بالصوت والصورة على تناقض الفكر التنظيري مع نتائج المخطط الذي طُبِّق فعلاً في العراق وسوريا وتونس وليبيا واليمن، وأرادوا تطبيقه في منطقة الخليج العربي بدءاً بالسعودية.
تلك القلة الحسنة النية من الحقوقيين السعوديين التي تعترض على سقف حريات الرأي والشفافية ومطالبات الإصلاح، هذه القلة سوف تنكمش كثيراً بعد تعرُّفها على الهدف بالصوت والصورة من تلك الأفواه التي كانت تتشدق علناً بتطبيق الشريعة والإصلاح، بينما تتآمر سراً على أوطان العرب مع ألد أعدائهم التاريخيين.
عندما يتجرَّأ أحد ما على سؤالي، هل أنت راض في بلدك عن كل شيء، سوف أصرخ في وجهه لا ليس عن كل شيء، ولكن أراهن على ثلاثة أشياء تختلف جذرياً عما تراهن أنت عليه. إنني أراهن على استمرار تماسك وطن يمثل المنبع الأول للحضارة العربية والإسلامية وسبق أن تفتت ثم توحد بمعجزة، وأراهن على ضغط أجيال الشباب على الحكومات الخليجية والعربية بعد أن تحسَّن وعيها في كل المجالات الوطنية والحقوقية والمعرفية، وأراهن على عامل الزمن وميزة الاحتكاك والمقارنة بتجارب الآخرين الناجحة والفاشلة.
أجيال الشباب وهم الغالبية السكانية سمعوا وشاهدوا واستوعبوا الكثير، ومن أهمه تلك المآلات المأساوية التي دفعت إليها شعوب المنطقة بالتجييش الخبيث بالعقائد والمذاهب والشعارات. نصف الدول العربية تحول إلى ركام وسيق سكانها إلى المحارق والمنافي وانتهاك الأعراض. الآن، البقية التي ما زالت تعيش في أوطان آمنة أصبحت قادرة على المقارنة وطرح الأسئلة. أولويات الأسئلة في عقول شباب اليوم سوف تكون حتماً حول المؤدلجين العملاء المسؤولين عن التلاعب بعواطف من أصبحوا لاجئين ومشردين، لصالح من تم التلاعب بهم ومن هي الأطراف العربية التي ما زالت تصر على استمرار نشر الخراب. تفرعات وتوليفات تحالفات الدوحة بعد انكشاف اللعبة القذرة صارت أكثر من كافية لتحفيز العقلاء على التفكير، والعاقل من يتعظ بغيره.