الحمد لله الذي جعلنا من أمة التوحيد والإسلام والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فيقول الباري في محكم كتابه: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ويقول تعالى: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}، ويقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، ويقول: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، وفي الحديث الصحيح (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان)، وفي الحديث أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم (نعمتان مجحودتان الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح منكم آمنا في سربه معافا في جسده عنده قوت يومه فكانما حيزت له الدنيا) رواه البخاري في المفرد والترمذي في السنن وقال الالباني بعد تخريجه فالحديث حسن.
هذه النصوص وغيرها تبين أهمية نعمة الأمن واجتماع الكلمة فبالأمن تتقدم البلاد ويأمن الناس على الضرورات الخمس: الدين والعقل والنفس والمال وحفظ النسل، وبالأمن يتعلم الناس وبالأمن يتقوى الاقتصاد ويعم الرخاء ويتعبد الناس ربهم فيسمع نداء الحق وتقام الجمع والجماعات وتتاح الفرص للتسابق في الصالحات وفي الأرزاق، وبالأمن يتواصل الناس وتوصل الأرحام، ولهذا قامت عقيدة أهل السنة والجماعة على هذه المبادئ العظام والثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
أمام هذه الحقائق وهذه النصوص القطعية نهجت بلادنا منهج أهل السنة والجماعة وهي العقيدة السلفية الصحيحة اجتمع شتاتها بعد فرقة وتوحد أهلها بعد نزاع واقتتال فأمن الناس وعاشوا متحابين متآخين مطيعين لله ولرسوله ولولاة أمرهم امتثالا لقوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} الآية.
تقدمت بلادنا وشرفت أيما شرف برفع راية التوحيد وإظهار شعائر الدين وتحكيم شريعة الله وإعزاز القضاء ونشر العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوسع في التعليم بكافة أفرعه وتعليم كتاب الله وتشجيع تحفيظ القرآن وغير ذلك، هذه النعم الكبيرة والكثيرة توجب علينا شكر المنعم سبحانه ثم الدعاء لولي الأمر وكافة القائمين على كيان هذه الدولة المباركة، والأمة اليوم تواجه تحديا كبيرا من أعدائها والمتربصين بها مما آلوا على أنفسهم ألا يقر لهم عين إلا بالإضرار بالبلاد والعباد خيب الله ظنهم ورد الله كيدهم.
أمام هذه التحديات الجسيمة والعظيمة يجب علينا جميعا وجوبا حتميا أن نقف مع ولاة أمرنا يدا وصفا واحدا لإحباط كيدهم وإفشال خططهم واجبا تمليه العقيدة وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وليتق الله أبناء هذه الأمة ولا ينخدعوا بدعاة الفتنة لشعارات ودعوات رتب لها أعداؤها والمنخدعون مع الأسف من دعاة الفتنة، وإن المتأمل للدول التي جربت الفوضى والشعارات الزائفة يرى ماذا جنت؟ هلاك للبلاد والعباد وخوف وفزع ودمار.. هل الإصلاح يكون بهذا؟ هل يستبدل هؤلاء النعم العظيمة التي يعيشها الناس جميعاً صباح مساء بالفوضى والقتل والفساد؟
أي منطق هذا! إنه الانخداع الفكري والفساد وعدم النظر إلى المآلات الضارة، فلنكن جبهة قوية وسدا منيعا لحماية بلادنا وأهلنا وأموالنا ومكتسباتنا. إنها الوقفة الصادقة أمام دعاة الفوضى والتخريب. إنها الوقفة التاريخية كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا خلف ولاة أمرنا ورجال أمننا، وأسأل الله أن يعز دينه وينصر كتابه ويهيء لنا أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل الفساد والفتنة والتخريب.
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم من أرادنا وبلادنا ووحدة كلمتنا بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، اللهم احفظ ووفق وسدد ولاة أمرنا وخذ بيدهم للبر والتقوى ووفق علماءنا لكل خير والله ولي التوفيق.
** **
بقلم/ الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد - رئيس محكمة الاستئناف بالرياض