د. خيرية السقاف
كاليوم هذا تمامًا..
كليلة البارحة التي أطلت عليه..
كوجهها تلألأ من فرط حلم في جوفها كان يتراقص..
كتفاصيل تناثرت في الثواني بين عشيات قبلهما وضحوات..
التخطيط للمدرسة, شراء الشرائط البيضاء لضفائرها, الحذاء الأبيض, والحقيبة الزهرية تختارها أمها, لا السوداء أجمل تختارها هي , سوداء أكثر فخامة لوريقاتها المنتقاة ملمساً وحجماً لا لكتابة الدروس فيها, بل لرسم شجرة عند سور المدرسة تنبت وحيدة فارة من زحمة الأشجار حول السور الشاسع تظللهن تحتها معلمة الرسم, ليقتبسن منبت الفروع فيها على «كراسات الرسم», أو تدوين فكرة خاطفة لمشهد جناحين لطائر اليمام البني العابر بسماء مدرستها فتتخيله ذاتها التي تركن لطرف حجرتها في متكأ يأوي إليه مقعدها السماوي, فتتخيل أنها شاعرة تتراقص مع إيقاع كلماتها: «وجه أمي صفحة في الماء تسبح», لكن سرعان ما تمرر بقوة ممحاتها على الكلمات, وهي تهز رأسها لا, لن أسمح للماء أن يطوي وجه أمي!!
ذاته ذلك اليوم يشبه هذا اليوم, يومهم..
الصغار يتأهبون منذ بارحته للمدرسة, الحقائب جوار الأبواب تنتظر أن تُفرج فيركضون خارج البيوت, المدرسة فرصة انعتاق من ملل التكرار لشريط الساعات الطويلة التي أمضوها لشهور ثلاثة, لكنها ليست للأحلام التي كانت تتراقص في صدرها!!
يا لها من مأساة, ملهاة, شيء من هذا قالها صغير في عامه الثاني من عقده الثاني: «طويلة هذه الإجازة, ثلث عمرنا هدر, ومملة أيام المدرسة بقية عمرنا ملل»!!..
استوقفتْه متسائلة: كيف؟
وذهبت لمثل هذا اليوم, تفض صفحاتها المطوية بحذر في ذاكرتها, تخشى أن تتفتت أوراق زمن قضى مترهلاً كسجف الضباب الشارد في الفضاء البعيد!!
وعندما أطفأت نور حجراتهم ليلة بارحتهم كانت قد اقتنصت فوق شفاه بعضهم ابتسامة, عرفت أنهم يحلمون برؤية زملائهم فقط, بينما شاهدتها قبل أن يوغلوا في النوم وقد زُمت امتعاضاً من عودة بَكرة الدراسة الشاحبة للكرِّ..
لذا لم تسمع أية إجابة لكيف التي ألقتها, وكأنّ أحداً منهم لم يسمعها..
أما هي فقد فرطت أيامها الخضراء المثيلة, ورائحة اخضرارها بقيت عالقة في جوفها.
كاليوم هذا, تماماً كاليوم هذا في مهمته, تتشابه الترتيبات, وتختلف التفاصيل !!..