د. عيد بن مسعود الجهني
كان تأسيس الأمم المتحدة عام 1945م بعد أن سكتت آلة الحرب الكونية الثانية المدمرة، أساسه إقامة العدل والسلم الدوليين وقد جاهدت كثيرا من أجل ذلك ودفاعا عن القانون الدولي والشرعية الدولية واحترام ميثاقها، وواجهت من أجل ذلك سنوات سمان وأخرى عجاف.
وفي هذا القرن المليء بالأحداث الكبرى تناطح الأمم المتحدة تلك الأحداث لكنها بقدر ما حققت من نجاحات فشلت في التصدي لأحداث كبرى، لماذا؟ لأن الخمسة الكبار خاصة الدب الروسي والغول الأمريكي أصحاب (الفيتو) يقتلان كل توجه لإقامة العدل والسلام كلما تعلق الأمر بمصالح أحدهما، فعلى سبيل المثال لا الحصر أمريكا نصَّبت نفسها لإعدام عشرات القرارات لمجلس الأمن الدولي تدين إسرائيل، وروسيا حديثا (أغرقت) ثمانية قرارات تدين جزار سوريا.
وإذا كان عنوان القرن المنصرم حروبا وصراعات ونزاعات ميدانها في الغالب خارج منطقة الشرق الأوسط وعدم تعرض المسلمين لموجات من الحروب المدمرة، فإن هذه الألفية حفلت بشن الحروب على المسلمين في ديارهم في الشرق الأوسط وعلى الأقليات في بعض الدول خاصة البوليسية منها كـ (بورما) التي يحكمها عصابة من العسكر تسندهم امرأة خبيثة نالت (زوراً) جائزة نوبل.
وإذا كان عدد المهاجرين في العالم تجاوز الـ (50) مليونا فإن معظمهم من المسلمين وفي مقدمتهم الأشقاء السوريون الذين قتل منهم بأيد (الدمية) الأسد والإيرانيين وحزب الشيطان والروس أكثر من (600) ألف وجرح أضعاف أضعافهم، وهجر منهم أكثر من نصف السكان، والمسلمون في بورما أجبر أكثر من (4) ملايين على مغادرة بلادهم تاركين كل ما يملكون وراءهم والحبل على الجرار.
وإذا كانت صيحات المعذبين في سوريا وغيرها كالصومال تشق عنان السماء، فإن ثالثة الأثافي هي جريمة قتل المسلمين في بورما وإشعال النيران في منازلهم وإجبارهم قسرا على الهجرة على مخرج حدودي إلى بنغلاديش بعد قطع النهر الذي يفصل بين البلدين، وقبله وبعده السير على الأقدام حفاة عراة لعدة أيام في طوابير طويلة يصعب على العين المجردة رؤية آخرها ليبلغ عددهم الثلاثمائة ألف مشرد.
إن من يتابع ما ينقله الإعلام على قلته عن كارثة المسلمين في ذلك البلد وعصابته الدكتاتورية يدرك مدى فشل الأمم المتحدة ومجلس أمنها في مواجهة ما يتعرض له المسلمون من جرائم مخطط لها بدقة متناهية لم تلقَ سوى التنديد والاستنكار من جميع المنظمات والاتحاد الأوربي وغيره.
هؤلاء المسلمون الذين زارت إحدى تجمعاتهم رئيسة وزراء بنغلادش وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وسط أجواء مناخية غاية في الصعوبة، فالأرض من تحت أقدامهم تفيض بالمياه والأمراض تلاحقهم، والجوع يحفر له مكانا في أجوافهم والأمطار تتساقط عليهم من حين لآخر ولا غطاء يحميهم غير قدرة الله، وحتى المساعدات على (نزرها) لا تكفي لسد ما تحتاجه بطونهم الجائعة وأجسادهم الخاوية، وهم ينتظرون من حولهم وأبصارهم معلقة إلى الهواء لعل طائرات إغاثة تنجدهم، لكن هذه النداءات لم تلقَ أذناً صاغية أو لمحة إنسانية تخفف بعض ما لحق بهم في زمن الظلم وعدم إقامة العدل.
هذا هو ديدن الأنظمة الدكتاتورية في عالم اليوم، فالنظام في بورما ملطخة أيديه بالدماء، منعزل عن العالم، أدخل بلاده في ظلمات في زمن التقدم والتطور، فاختار لنفسه الانعزال وركب صهوة الظلم وقتل وتشريد وإحراق منازل وممتلكات مواطنين لهم نفس الحقوق التي لذلك النظام الفاسد، لكنهم تعرضوا خلال تاريخهم الطويل في ذلك البلد لإبادة جماعية وفي عام 1942م قتل منهم البوذيون أكثر من مئة ألف.
وعلى درب فساد السلطة وعبادة النفوذ فإن (أون سان سوتشي) التي كانت تطالب بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في ذلك البلد ونالت (ظلما) جائزة نوبل جزاء عملها، هذه المرأة ما أن دخلت معترك السلطة رئيسة للوزراء حتى ظهر وجهها القبيح لتصبح عاراً في جبين الجائزة فكشرت عن أنيابها وأصبحت في (زمرة) الدكتاتورية وعمود من أعمدتها، فشاركت بالتهديد والوعيد للمسلمين بالويل والثبور وعظائم الأمور، واضطهادهم، وقتلهم وتشريدهم وتصفيتهم عرقيا لكونهم عندها إرهابيين، وهم الذين كانوا متعاطفين معها عندما كانت تنادي بالديمقراطية والحرية (كذباً)، فهذه - حاملة جائزة نوبل تتآمر على تعذيب المسلمين بقتلهم وتشريدهم جنبا إلى جنب مع سفاحي بورما، ولم تتوقف عن هذا بل اتهمت الإعلام الدولي بأنه تجاوز الحقيقة وضخم الأمر فكأن شيئا لم يحدث.
جائزة نوبل التي يعود تاريخها إلى عام 1895م عندما قرر مخترع الديناميت السويدي ألفرد نوبل الذي حوت وصيته في 27 نوفمبر من ذلك العام وثيقة الجائزة (في النادي السويدي - النرويجي) لتصبح الجائزة صاحبة القدح المعلى في الشهرة العالمية لاختيار شخصيات ذات أثر هام في صناعة المستقبل العلمي والتكنولوجي والثقافي.. الخ خدمة للبشرية.
ألا تعي لجنة جائزة نوبل ما حدث ويحدث من هذه الإنسانة سيئة السمعة التي نالت الجائزة ذات السمعة الشهيرة لتعلن سحبها لجائزتها والاعتذار للمجتمع الدولي عن اختيار مثل هذه المرأة، لتثبت اللجنة لكل عالم ومفكر وباحث أنها قادرة على منح الجائزة، كما أنها قادرة على إلغاء منحها لكل من يثبت أنه ارتكب تدليسا أو غشا على الجائزة وأظهر غير ما يخفيه في دواخله، وهذا ما ثبت باليقين بالنسبة لرئيسة وزراء بورما، فهي كانت تسعى سعي (الشحاذين) للسلطة وما أن أمسكت بها حتى غيرت جلدها (كالثعبان).
من هنا فإن المتتبع لمسيرة الجائزة في السنوات الأخيرة يدرك مدى (الخوار) الذي لحق بسمعتها لاختيار أشخاص ليس لهم ما يذكره التاريخ العلمي من رصيد، بل إن رصيدهم صفرا، وهذا ملموس في بعض الذين اختارتهم لجنة الجائزة فهم شخصيات ضعيفة علما وفكرا، مما يثير بعض التساؤلات حول أهداف الجائزة نفسها.
وليست الحالة السورية ومسلمي بورما الوحيدة بل إن هناك مظالم كثيرة ترتكبها دول عدوة للإسلام والمسلمين كدعم ملالي طهران للحوثيين وعلي صالح في اليمن وفي بلاد الشام ومعها بعض متطرفي الشيعة في العراق وأفغانستان وباكستان مدعومين بالآلة الروسية المدمرة.
والدول الإسلامية الـ(57) باستثناء طهران مدعوة اليوم للوقوف إلى جانب إخوانهم في كل بقاع الأرض بمد يد المساعدة العاجلة لإنقاذهم مما حل بهم وفي مقدمتهم بالطبع الأشقاء في سوريا وبورما.
لابد من وقفة شجاعة تؤكد الكثير من العبر والدروس المستمدة من ماضي وحاضر الأمتين العربية والإسلامية لإغاثة المسلمين المتضررين في بعض الدول جراء الحروب والاضطهاد والتمييز العنصري الذي تدور رحاه ضدهم، وأمامنا مثل حي بلاد الحرمين الشريفين استطاعت بقيادتها ومكانتها الإقليمية والدولية رعاية مؤتمر من (55) دولة إضافة إلى أمريكا مؤخرا.
لعلنا نرى مؤتمرا جدول أعماله حماية المسلمين خاصة الأقليات المسلمة منهم، في زمن الظلم هذا، مبتعدين عن الشجب والاستنكار الذي تصدره لنا دول كبرى ومنظمات لا تغني ولا تسمن من جوع.
والله ولي التوفيق