د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن النقاش حول واقع التعليم نقاش يشبهُنا جميعا، وقد طال عليه الأمد ، ولقد بدأ ذلك النقاش يجنح عن مساره حينما كثرت «الماركات الملونة» وتعددت المرجعيات؛ فلا نعلم من القاضي وأين تكمن حقوق التعليم والمتعلمين ؟ ولن أغرس منجلي في مكونات التعليم وعناصره جميعها فهي عندنا وافرة عددا! ولكن إدارة الأحوال تتطلب وقفة مختلفة يتم فيها توجيه المال والأعمال وجهات صحيحة تُحقق الأولويات وتبني قواعد تأسيسية متينة ؛ فالاستعداد للعام الدراسي الجديد يتوالى سنويا فكل عام يتسلق على أخيه ونحن نقيس الاستعداد للدراسة بذات المنهج المكرور, وكأن موجودات المدارس تموت كل عام وتدفن!! والجاهزية في نظري ليست فرض كفاية تقفز من خلالها النسب الرقمية جملة لا تفصيلا؛ بينما هناك أحياء تعيسة تفتقر مدارسها لأدنى مقومات المحاضن التربوية.
فلو تتبعنا العقابيل التي تحيط بواقع المدارس في بداية العام الدراسي دون مصفوفات الصيانة والنظافة والعجز البشري التي يثبتها الواقع كل عام!! وإنها لكبيرة!! فهناك أيضا ما يعكر صفو المعلومات المتسللة من أجنحة المقررات في بداياتها! وأولها بلا منازع الانقضاض على كوادر المدارس وهم في وطيس البدايات لإلحاقهم بالتنمية المهنية ما بين التدريب المحض وورش العمل الداعمة والناعمة، وكان هناك وقت كاف جدا قبل ذلك لمنح منسوبي المدارس كل الألوان والفنون التدريبية .كما يكابد جل قادة المدارس ضغوطا في بداية العام الدراسي ترصدها معهم حشود كثر من المتابعين والمشرفين الذين يحلون ضيوفا على المدارس في صباحات الأيام الأولى!! مع أن هناك وفر من المدارس قد بلغت سن الرشد ولكنها مازالت في الحضانة في مقاييس الاستعداد!!؟ فتضطر قيادات المدارس لمنحهم جزءا من الوقت الثمين وتزويدهم بالمعلومات المرصودة سلفا في منصات التعليم الإلكترونية!! وتنشغل المدارس عن الطلاب الذين هم الضيوف الأصليون؛ ففقدت المدارس الدعة والسكينة لتحتضن طلابها وتبني معهم المهارات الحافزة ، وتغرس فيهم القيم العليا وتعطيهم جرعات تنمي ولاءهم. والمهم الأهم أن تمنحهم مفاتيح الأبواب المغلقة وهي حزمة ذهبية تتصدرها أدوات التفكير واستنطاق المشاكل لاستيلاد الحلول، وتحدي الأنماط البالية، وامتلاك القدرة على مزج المعرفة مع الوعي بحاجاتهم في الحياة ليتحقق انفتاح العقل وتقدير المعرفة الشاملة (الثقافة).
ومن هشاشة البدايات الدراسية ما يواجه قادة المدارس في الأسقف المرتفعة من قوائم المحاذير التي تحولت مع الزمن إلى مكعبات إسمنتية تحت ظلال الصلاحيات المقيدة، إلا أن تكريس المحظور في المدارس أصبح «القائد الروبوت» الذي يزاحمها، فليت معالي الوزير يلتفت إلى الحوار المباشر جدا جدا دون وسيط مع قادة المدارس، فتسطيح ما تعانيه المؤسسة التعليمية الصغيرة ( المدرسة ) قضية تعليمية هامة ,,فلم تُجدِ الآراء الشخصية المبنية على القرائن الخاصة والعامة في إصلاح خط السير التعليمي، ولما أن كانت هناك قنوات تقويم وقياس رسمية «اختطت من فوق أرض التعليم, وهي مؤشر حديث لقياس سلامة المسلك التعليمي؛ فلماذا لا يُلتفت إلى نتائجها بعين فاحصة وأن يُبحث عما وراء تفاوت مستويات التحصيل الطلابي والمردود العام!!؟ وعند ذلك يمكن أن تركز جهات التشريع على الخلل الأكثر تأثيرا ، وتفرد له عاما دراسيا للحراك حوله , واستيلاد أدوات إصلاحه، وممكنات نهوضه ، واقتلاع جذوره الميتة « فيكون عاما فيه يغاث الناس وفيه يعصرون, ويكون تعليمنا قناة فوارة بالمخرجات اليانعة والكفاءات الماهرة فالتعليم في محصلته بناء حضاري لابد فيه من روابط عظيمة تسهل من التدخلات التعليمية المواكبة للعصر، وبما أن التعريف العميق للتعليم أنه التفاعل المعرفي بين مُلق وهو المعلم ومتلق وهو الطالب فليت الوزارة تركز على هذين القطبين الأساسيين من خلال استزراع الثقة بينهما وتمكينهما من الوصول , ومن مخصبات الثقة تمهين التعليم من خلال شروط عالية وممتدة ، وأن تخضع للتقويم المبني على معايير دقيقة أيضا،. وإعادة تنظيم سلالم الترقي المعمول بها حاليا حيث قتلت روح التنافس المنتج لدى قيادات المدارس ومعلميها ، ويردف ذلك تكوين منظومة متصلة للمحاسبة والتحفيز, وإصلاح الخلل في النظام الداخلي وليس إصلاح المكسور فقط بل السياسات برمتها ،، فقصور كفاءة النظام حوّل منظومة العمل التربوي إلى حشود من اللجان ! وحوّل مهام العمل المعتادة إلى قوافل من التعاميم التي تجوب الميدان ؛ فكم نفتقد كثيرا لإدارة القرار التربوي!!
ولو تطرقنا للموقف التعليمي للطلاب اليوم، لرأينا أن الطالب ليس مجبرا بسلطة النظام ولا سلطة التقويم, وليس مستمتعا بقيمة علمية ولا محصلة ثقافية ولا بيئة تعليمية مشرقة، ولذلك فإن من الأدب التربوي الحديث أن تكون العلاقة مع الطلاب داخل مؤسسات التعليم هي بناء قدرات عليا منطلقها رفع الروح المعنوية وتطوير الكفاءات الفكرية والمهارية في بيئات تعليمية عليا..
وختاماً بضاعتي ليست مزجاة فأرجو تفقدها؟