عرض - محمد المنيف:
أعجبت بما نقلته لي السيدة ايناس القرشي مديرة احدى صالات المعارض الفنية في إيطاليا عند لقائي بها في صالة مماثلة في أبو ظبي استعرضنا خلال لقاء عابر حول تجربتها ورؤيتها لما يحظى به الفن العربي والسعودي على وجه الخصوص من أهمية واقبال من مقتني الأعمال الفنية العربية عامة والسعودية التي أشادت بها، وبررت ذلك باحتواء الأعمال الفنية العربية بروح وفلسفة وقيم اجتماعية وجمالية ما دفعني لان أتطرق لموضوع ليس جديدا وليس بحثا مفصلا حول أهمية الهوية الفنية أوخصوصية العمل الفني المنتمي لبيئة معينة أو مجتمع معين والقيمة التي يبرزها وجود هذه الهوية عودا إلى ما شعرت به من أهمية روح العمل المنبثقة من (الهوية) أو الانتماء من خلال المعلومات التي تلقيتها من السيدة ايناس مع أن هذا الموضع قد تطرق له الكثير من الباحثين الاكاديميين وفلاسفة الفن الحديث من العرب وغيرهم من المختصين في دول العالم فقد أصبحت الهوية الفكرية بكل تفاصيلها والحفاظ عليها من الهموم الكبيرة مقابل الساعين إلى تذويبها ضمن ثقافات ليس لها أصول أو مصادر استلهام تاريخيا وحضاريا، الا أن أولئك الباحثين مهما اختلف البعض منهم وتشدد في موقفه يتفقون أن الهوية هي الأساس ألذي يبنى عليه أي عمل انساني شعر كان أو رسم أو نحت أو حتى العمل السينمائي.
أحاول هنا إيجاد إجابات على أسباب اندفاع بعض الفنانين المحليين وقليل من الفنانين العرب بالتشبث بتقليد الغرب سعيا للشهرة العالمية مع انهم لم يحققوا بهذا التوجه الا القليل المؤقت من شهرة منحت لهم بتبعيتهم لتلك الفنون لغربية من خلال طرح يخرجون فيه عن النص البصري والفكري وحتى الذوق العام يتسببون فيه بقتل سبل التعبير عن المنشأ (الهوية المكانية والفكرية) لعل أن يكون لهذه التبعية ما يحقق لهم ذلك الحضور العالمي وتخليهم عن التأثر أو الانسياق إلى الفنون الاخرى كالصينية والافريقية لعلمهم انها لا تحقق لهم رضا من يتولى تقييمهم من النقاد الغربيين المانحين للفنان التابع لموجة التغريب صفة العالمي من خلال الدور الكبير لصالات العرض الغربية ومتاحفهم باحتضانها تلك التوجهات.
وبمكن الإشارة إلى أن اضمحلال وذوبان الخصوصية أو الهوية في فنون الشعوب في هذه لمرحلة ياتي نتاج الاحتكاك الحضاري وما تسبب به الانتثال من الأثر إلى التاثر تمازجت فيها التجارب والخبرات لسهولة وصولها للفنانين على اختلاف مستويات تجاربهم دون أن يتوقف هذا التاثر في حدود الفن اتشكيلي بل امتد لكل الفنون البصرية والسمعية مما الغى الحواجز والحدود نجح بها الغرب لتحقيق عولمة الفن والوصول إلى مرحلة الهيمنة خصوصا على من تاخرت ثقافتهم الفنية من شعوبنا الموصوفة بالعالم الثالث رغم اعتراف الغرب بما تحويه الحضارات ما بين النهرين ومصر واسيا وافريقيا التي تعد اصل الحضارات، وصولا إلى افتقار المتابع أو الفنان لمفهوم العمل الفني بين الفكرة المستلعمة من محيطه وبين التقنية التي تعتمد على قواعد مسبقة التجهيز منها ما ينحى نحو الشكل وما يتبعه من علاقات البناء والتناسب والاتصال بالمكملات من الوان وخلافها وكيفية ربطها بالهوية والانتماء الحضاري إن كان إسلاميا عربيا أو من أي بقعة من بقاع الأرض ذات حضارة وتاريخ.
بين الذات والاتصال بالمحيط
تبرز أحيانا أعمال ذات توجه ذاتي يمر فيها الفنان بتجاربه من حال إلى أخرى ومن علاقة إلى علاقة جديدة بناء على ما تمليه المؤثرات أحيانا تكون مبهمة تجتذبه إلى الداخل أو العكس ينتقل خلالها من حالات الاعداد والاستعداد ليصل في النهاية إلى مرحلة الإنجاز، مراحل أو حالات تشعر الكثير من الفنانين بازدواجية ما يشعر به ويمكن تسميته الدافع الداخلي لمشاعر متحركة لا تهدا تصبح تبعا لذلك محركا لتحقيق الغاية يكتشف من خلالها ما يختلج في وجدانه يتبعها بفعل خارجي يتمثل في التعامل مع الخامة يستخلص فيها جميعا تحويل المتخيل إلى واقع وهي الفعل الأهم لتحقيق المنتج الفني.
حالات التضاد في الواقع التشكيلي
نعود إلى جانب الفن والهوية وأيهما يتقدم الآخر فن الهوية أو هوية الفن بعد تجاوزت الأعمال الفنية ما كان يتابعه ويضعه النقاد مرتكزا للحوار أو التحاور في العمال الفني، فلم يعد هناك تقارب في كثير من الأعمال المعاصرة بين ما يمكن أن يطلق عليه التاريخي وبين ما يوصف بالجمالي فبرزت اسالة واجابات متعددة عل السؤال الازلي هل البحث يعني هوية الفن ام فن الهوية والتي نرى أن الأولى تعني الجانب الجمالي والذي جعل الكثير من الفنانين يميلون إلى البحث والتجريب في الخامة دون البحث عن فكرة تنتمي إلى البيئة والتاريخ وما ابقاه من سبقوهم وما يرتبط به الفن في بحث الفنان عن ابعاد بيئته التاريخية وثقافته التي تتمثل في كل ما يبدعه أو ابدعه السابقون من فناني العصور الماضية، أو بما يمكن إعادة صياغته من قضايا اجتماعية يعيشها الفنان أو يتفاعل معها يراها الكثير من الفنانين الحداثيين سبل تعيق تحركهم بحرية ويرون في الارتباط بها امرا معيبا امام ما يتطلبه الفن في هذا العصر بما يضعه من يتبع جانب الشكل وغرابة الطرح معايير للعمل الناجح، اما فن الهوية فهو المرتكز على البحث في ثنايا الواقع المحيط بالفنان تاريخيا وعادات وتقاليد جعل منها عناوين لمصادر الهامة التي تبين موقعه ومحيطه ومنطلقاته الثابتة.
عالمية الفن وازدواجية المفهوم
من المؤسف أن بعض الفنانين العرب انغمسوا فكريا وتقنيا بفنون الغرب وسعوا ا بجد لدراستها مستشهدين ببطولات الفنانين الغربيين في الوقت الذي لم يكن الفنان الغربي المعاصر يعير الفنون الشرقية الإسلامية والعربية أي اهتمام بل يسعى إلى ازالة الهوية واستبدالها بثقافته الغير مستندة على تاريخ أو حضارات ما كان مع ابقاه الفنانين الرواد الأوائل من الغربيين وتاثرهم بما تحمله فنون الشرق من عمق وعلاقة روحانية حيث يقول (دوجار دان ) لست متفائلا باي جديد في حضارتنا الغربية الا بما تحمله رياح الشرق كما شاهدنا تأثر الفنان الغربي في تكعيبية بيكاسو التي استقاها من الفن الافريقي ذو الأصول العربية اكبر دليل على غنى الثقافة العربية بمصادر الالهام المنبعثة من حياة وتاريخ الانسان الشرقي مع ما قدمه المستشرقون من معرفة بجمال الشرق عبر لوحاتهم التي أصبحت جزءا مهم من متاحف الغرب كما لا يمكن اغفال أو تجاهل تاثير الفنون العربية والإسلامية من دور فاعل في إبقاء القيمه الفنية فكرا ومصادر الهام وتقنيات امام أعمال الفنانين الغربيين التي لا تحمل معنى أو هوية وانما تنحى إلى العبث والفوضوية سعيا إلى احداث حالة من الاعتقاد أن العصر عصر العبث والفوظى والحروب مختتمين بما قاله (بيرابين )ان المسلمون قدموا للبشرية في مجال الفنون اعظ الابداعات وهي فنون الرقش بدلالاته ورموزه الأكثر شاعدا على مفهوم وهوية الفن.
فنانون عرب نافسوا الغربيين في عقر دارهم
نختم هذه الاطلالة بالوقوف عند بعض الأمثلة العربية وباختصار يحسب لهم الدور الكبير في العمل بالاخذ بهويتهم العربية عبر اتجاه معاكس يواجهون به الفنون الغبية المستوردة ومن هؤلاء الفنان المصري الأصل العالم الشهرة جورج بهجوري المتمسك بالفنون الفرعونية في كل موقع قدم له في اقطار العالم موقعا ابداعه بعين حورس الفرعونية شكل بها اسمه المختصر دخلت لوحاته جناح الكورسال باللوفر1990 لتمثل الجناح المصرى بدعوة خاصة من جمعية محبى الفنون الجميلة بباريس، وحصلت لوحته «وجه مصر» على الميدالية الفضية. ووضع اسمه فى قاعة كبار المشهورين مع جان كوكتو وإذنا فوروداى. وأثارت لوحاته الحجرية إعجاب النقاد والمشاهدين فى ليموج, فرنسا بعد أن أختاره آلآن جورسو النحات المشهور ليحفر فى الأتيليه الخاص به لوحات الليتوجراف (النقش على الحجر). ومن لبنان نتوقف باحترام امام دور الفنان وجيه نحله يرحمه الله الذي صدح بصريا بكلمة الله اكبر بمعرض تضمن أعمال حروفية في باريس مع بقية اللوحات التي حمل في ثناياها العبارة والشكل الحديث للحرف العربي بحروفه الراقصة، اما من المملكة العربية السعودة فقد ساهم الفنان الراحل محمد السليم بان ينقل الصحراء العربية (السعودية) عبر تجربت في أسلوب الصحراوية أو (الافاقية) التي تبرز جمال خطوط الأفق في الصحراء بخطوط كل منها عبارات اسلالمية وأخرى عن البيئة، كما نعتز بما قدمته الفنانة العالمية الشهرة العربية واللبنانية الأصل النحاته منى السعودي التي تتربع منحوتتها امام مبنى كعهد العالم العربي بباريس وما قدمته من معارض في كل بلاد العالم حفرت بها اسمها في سجلات الفنون الحديثة بهوية عربية.
ونختم بالفنان نجا مهداوي الذي حلقت حروفياته على أجنحة الطائرات وعرضه لابداعه بالليزر في جبل في هوليود وما حققه من حضور عالمي جعل له بها بصمة لا يمكن إغفالها.