أ.د.عثمان بن صالح العامر
اتصل عليّ خلال الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع أكثر من زميل وصديق يسألونني عن مدارس متميزة يلحقون بها صغارهم سواء أكانت حكومية أو خاصة، عالمية أو أهلية، وإذا كان الطالب مستجداً يكون السؤال منهم منصرفاً إلى المعلم الأكثر تميزًا في الصف الأول الابتدائي، وقد يتبع الجواب طلب التشفع لدى الزملاء في التعليم لإلحاق ابنه في المدرسة المختارة وعند هذا المعلم بالذات.
إن الوعي بأهمية هذه المرحلة، والحرص من قبل الآباء والأمهات على اختيار الأكثر تميزًا - خاصة في الصفوف الأولية- يوجب على وزارة التعليم - في نظري-:
- اختيار أفضل المعلمين درجة علمية وخبرة عملية وتخصصاً، وأكفأهم مهارة، وأرحمهم وأعطفهم على التلاميذ للتدريس في هذه الصفوف.
- إعطاء معلمي الصفوف الأولية دورات تدريبية متخصصة مطلع كل عام دراسي تتضمن مثلاً كيفية التعامل التربوي الصحيح مع صغار السن، والتعليم عن طريق اللعب، والطريقة المثلى للتواصل مع الأسرة و...
-الربط الحقيقي بين المدرسة والأسرة.
- غرس المواطنة الحقة في ذهنية الطفل منذ الصف الأول بشكل يتوافق وعقليته ويتلاءم ومدركاته في هذه السن.
- توسيع نطاق التقييم وكذا التقويم ليتجاوز إتقان المواد الدراسية إلى جوانب الحياة المختلفة.
- إشراك الطالب والأبوين والمشرف الاجتماعي والمرشد النفسي مع المعلم وإدارة المدرسة في التقييم الشهري بشكل دوري.
وحتى يكون هذا الطرح النظري مشفوعاً بما يدعمه من تطبيق عملي، أنقل تجربة رأيتها بنفسي حين كنت رئيسا لوفد وزارة التربية والتعليم للاطلاع على التجربة الفنلندية، حيث كان الوفد في زيارة لمدرسة من مدارس التعليم الإلزامي في العاصمة هلسنكي، ودخلنا على صف ثالث، وإذ بطالب يعرض على بوربوينت أمام زملائه في الصف وبحضور أستاذه تقييمه الشهري لنفسه الذي كان متضمناً فقرات عدة أذكر منها -إن لم تخني الذاكرة- :
- طاعته لوالديه.
- النوم مبكراً.
- ترتيبه غرفته.
- حله لواجباته.
- احترامه لمعلميه
- تعاونه مع زملائه في المدرسة.
- تناول وجباته الغذائية بانتظام.
- مشاركته بالأنشطة المدرسية.
- حرصه على الممتلكات العامة والمحافظة عليها. وقس على ذلك.
وهكذا يكون الطالب شريكاً حقيقياً في تقييم نفسه وممارسة النقد الذاتي على تصرفاته منذ الصغر، والعجيب أن الحالة التي استشهدت بها كان قد وضع لنفسه 3-5 في أحد الفقرات، سأله المعلم: لماذا؟ فساق الطالب المبررات لفقده هاتين الدرجتين، وكان بالفعل صادقاً مع نفسه ودقيقاً في تقييمه.
في نهاية الفصل الدراسي يجتمع المعلم والفريق الذي ذكرته أعلاه، ويدور نقاش وحوار مفتوح حول كل طالب على حدة، ويعطى الطالب تقييماً جماعياً بشكل شامل وكامل لأخلاقياته وسلوكياته في الحياة وليس فقط لما حفظ وأتقن في المنهج الدراسي والمقررات.
أعتقد أننا بحاجة لنقل هذه التجربة بعد دراستها دراسة متأنية من قبل فريق مختص، ومواءمتها بما يتوافق مع قيمنا وطبيعة مجتمعنا، والبدء بتطبيقها على عينة من المدارس المختارة ومن ثم تعميمها بشكل تدريجي حتى يتسنى لأسرة التعليم في الميدان التربوي إخراج جيل ينقد نفسه بنفسه، ويسعى لتصحيح أخطائه، ويحمل هم مستقبله ومستقبل وطنه بشكل جدي منذ نعومة أظفاره. أسأل الله أن يكون عاماً دراسياً ناجحاً بكل المقاييس، وكل عام تعليمي وأنتم بخير، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام .