م. خالد إبراهيم الحجي
إن تنظيم دولة الخلافة الإسلامية المزعومة أو (تنظيم داعش) استطاع أن يجسد نفسه بأنه التنظيم الإرهابي الأكثر همجية والأقوى والأخطر في الوقت الحاضر في جميع دول العالم، منذ انطلاق هجومه الخاطف عبر الأراضي السورية والعراقية والاستيلاء على مدينة الموصل العراقية في عام 2014م. ولم يوجد تنظيم متمرد حظي بتغطية إعلامية مثيرة في التاريخ المعاصر مثل تنظيم داعش، ولكن المكاسب الواسعة التي تم تحقيقها في الحرب ضده خلال السنتين الماضيتين، أثبتت أنه أضعف من هذه القوة وأقل خطراً، ولم يكن بتلك المناعة التي تم تصويرها إعلامياً؛ لأن دولة الخلافة الإسلامية المزعومة (تنظيم داعش) تحتضر الآن، وطاقتها البشرية تتناقص، واحتياطها النقدي ينزف، ومساحة الأراضي التي استولت عليها تتقلص بسرعة فائقة. وربما في مثل هذا اليوم من العام القادم لا يكون هناك وجودٌ لدولة الخلافة الإسلامية المزعومة بالصورة التي عرفناها سابقاً وما زالت عليها حتى اليوم. ولكن إرثها الإستراتيجي سيبقى أثره على أرض الواقع؛ لأن صيغة التفضيل الإعلامي سوغت وجوده على الأقل في مجال عمليات نشر المعلومات. وعندما نتحدث عن مجال رواية القصص الإرهابية المصورة فإن تنظيم داعش لا مثيل له، ويحتل الصدارة بلا منازع، ليس فقط في كمية المخرجات الإرهابية ولكن نوعيتها أيضاً. ومنذ إعلان دولة الخلافة الإسلامية في عام 2014م أنتج تنظيم داعش بدون مبالغة عشرات الآلاف من المواد الدعائية المصورة على هيئة الفديوهات المضللة المرتبة بدقة شديدة، والمنظمة تنظيماً بالغاً لتمثل همجيته ووحشيته وخطورته على أرض المعركة. وتناولت دائماً صلب الرسائل المستمدة من آيدولوجية الإخوان المسلمين التي تبرر الأعمال الإرهابية والانتحارية بفتاوى دينية لتحقيق مشروع الخلافة الإسلامية.. وقيادات تنظيم داعش يثمنون بجلاء الهيمنة السردية والمعلوماتية أكثر من أعدائهم. وبناءً على ذلك أنفقوا عليها كثيراً من الوقت والجهد والمال؛ لأنهم حسب رؤيتهم الخاصة لم يعتبروا الهيمنة المعلوماتية والقصص السردية في الفضاء الإلكتروني فائدةً تكميليةً فقط، بل اعتبروها بضاعة ذات أهمية حاسمة لا تقل أهمية عن الهيمنة المادية والعسكرية في تحقيق النتائج الملموسة على أرض المعركة، على الأقل من الناحية الآيدولوجية. وتفيد التقارير التي انتشرت تباعاً خلال مراحل انهيار دولة الخلافة الإسلامية أنها بعد استيلائها المفاجئ على الموص، وإقامة مقر الخلافة فيها مباشرةً قامت بإصدار تعميماً يؤكد أن جهاز الإعلام المركزي هو المتحدث الرسمي الحصري لدولة الخلافة الإسلامية المزعومة، ومنعت محاربيها من إصدار الفديوهات الدعائية غير الرسمية بهدف المحافظة على اتساق الماركة الإرهابية للتنظيم وتماسكها. ويبدوا أن تخصيص تنظيم داعش لموارده الاقتصادية، وإنفاقها في مجال التحرير السردي والتصميم الجرافيكي لإنتاج فديوهات الدعاية لدولة الخلافة الإسلامية المزعومة قد آتى أكله، ويؤكده الصعود المفاجئ والسريع للتنظيم إلى مستوى العالمية في سوء السمعة الإرهابية، لأن تنظيم داعش استطاع بمناشدات غير مسبوقة أن يغتصب مكانة تنظيم القاعدة كزعيم جديد للجهاديين التكفيريين، واستقطابهم من أكثر دول العالم. وعلى الرغم من أن حجم الخطر الذي تشكله دولة الخلافة الإسلامية المزعومة تضاءل بالمقارنة مع التحديات العالمية الراهنة التي نواجهها في الوقت الحاضر، إلا أن التنظيم قد نجح في الهيمنة والاستمرار في إرهاب الفكر العالمي. وبكل صدق فإن تنظيم داعش يشكل تهديداً شديداً وخطراً كبيراً في 18 دولة مختلفة تم تحديدها من قبل «مركز أبحاث بيو الأمريكي»، الذي يؤكد بكل وضوح أن تكريس الوقت والطاقة للاستثمار في بيئة المعلومات يمكن أن يولد مردوداً قوياً جداً على الاسثمار الإعلامي في التأثير على الرأي العام. ولذلك فإن إرث تنظيم داعش الدعائي سيستمر وفكره قد تمدد لأن كثيراً من الجماعات الإرهابية المسلحة الأخرى من نيجيريا وسوريا إلى جنوب شرق آسيا أخذت تحاكي تنظيم داعش في نزعة تداول المعلومات والقصص السردية بالفديوهات الدعائية.
الخلاصة:
إن طريقة داعش الوحشية أصبحت ماركة عالمية مسجلة في مجال الإرهاب الدولي. رغم انهياره العسكري.