د. محمد بن إبراهيم الملحم
يدخل أبناؤنا وبناتنا مدارسهم الأسبوع القادم ومعهم إخواننا المعلمون والمعلمات وهم من استأمناهم على فلذات الأكباد «فليتقوا الله فيهم» وهذه مقولة جامعة تكفي عن أية مقالة لهذه المناسبة .. فبدون القيم الأصلية لا يكون العطاء، أما المميزات المادية فلا تصمد أمام عوامل الزمن ليظل الدافع الذاتي هو المسيطر، وما لم ينطلق من أساس إيماني ووطني، بل وإنساني، فلن يكون المعلم سوى صورة باهتة لا قيمة لها ويعمل كببغاء وبدلا من أن تشعره مهنته بالنشوة لما يحققه من بناء للإنسان فإنه سيشعر بالإحباط وينتظر انتهاء اليوم الدراسي على مضض. ربما كان هؤلاء الصنف هم من أشار إليهم معالي وزير التعليم في مقالته حول حصة النشاط الحر بـ»الشكاؤون البكاؤون» لكنما ختمها بنزعة سياسية أحالتها إلى مادة إثارة دسمة.
وأتوقف هنا عند قرار حصص النشاط مبتعدا عما أثاره المعلقون ومعتبرا أنه صدر بناء على دراسة واعية ومستندا إلى إشارة في مقالة معالي الوزير بصدور وثيقة «للسياسات العامة» لحصة النشاط وأن مستلزمات هذه الحصة ستوفرها إدارات التعليم مما يعني أن الوزارة ستزود تلك الإدارات بميزانيات نشاط أكثر مما خصص لها العام الماضي (ربما أربع مرات)، كما أني أعتمد في رؤيتي هذه على ما تعكسه تصورات معالي الوزير في كتابه حول إصلاح التعليم في المملكة فهي تنم عن شخص مفكر يحمل رؤية تغييرية جيدة، كما أنه مدرك للمشكلات التي تواجه مبادرات التغيير، ويستشرف التغيير من منظور كلي شمولي لا من «جزئيات» تستهلك الطاقة وتتعرض للزوال سريعا، ولهذا فإني سأتناول موضوع حصة النشاط بإيجابية تامة موضحا مبدئيا أني مع هذا التوجه (قلبا لا قالبا) فبناء المهارات العلمية المنتجة تحتاج إلى شخصية جريئة في التفكير وقادرة على تحدي تلك المعارف وهو أمر تبنيه الأنشطة اللاصفية بالدرجة الأولى لما تتمتع به من الحرية خارج نمط المنهج المقرر وأطره الاختبارية الضاغطة، بيد أن مثل هذا المستوى من المخرجات ينتج عن اندماج كلي بين المعلم والطالب من جهة والمعلم والنشاط من جهة أخرى، وغالبا ما يكون المعلم قائد النشاط من هواة ذلك النشاط، وتتيح له بيئة النشاط المدرسي ما لا يتوفر له خارجها (هذا ما شهدناه في جيل معلمينا في السبعينات الميلادية على الأقل) وهو حافز مهم لدفعه لهذا التماهي مع لونه المفضل من النشاط ليصطبغ به طلابه الذين سينتمون له، ولا زلت أتفكر ما هذا الحافز وأي البيئتين أقوى في وقتنا الحاضر: بيئة المدرسة أم ما يملكه المعلم في منزله أو ربما مزرعته أو ورشته لذلك النشاط؟ كما أتوقع لهذا النشاط أن يحظى بمباركة إدارة التعليم بالقياسات الدقيقة لمنافسات حافزة لقمة الأداء وأعتبر أن هذه القياسات بأدواتها ومجالاتها وحقائبها وخططها (الاستراتيجية أو التنفيذية) قد توفرت اليوم ونحن نستعد لبدء العام الدراسي! كما أعتبر أن التكامل بين محتوى حصة النشاط (باختلاف موضوعاتها) ومحتوى المنهج المقرر قد تم تعريفه وصياغته في لغة سهلة تمكن المعلم المستجد من إظهار هذه الرابطة وتفعيلها في الحصة الدراسية أو على الأقل تمكن معلم حصة النشاط من تفعيل هذه الروابط في أذهان الطلاب وجعل موضوعات النشاط ذات العلاقة بموضوعات المنهج ذات معنى من الناحية الإدراكية. أنا وكثيرون غيري من خبروا الميدان وخبروا مستوى العمل في لجان الوزارة للتأليف أو رسم السياسات ندرك جيدا أن المعلم أو حتى المشرف التربوي أقل تمكنا من أن يقوم بهذه المهمة ويحتاج إلى أدلة تساعده على تحقيق هذه الأهداف وهو دور الوزارة!
كل هذه الجوانب الفكرية والإستراتيجية المهمة والأساسية لنتاج حصة نشاط من مستوى ما يطمح له معالي الوزير حسب ما ورد في مقالته أتوقع أنها في ردهات ديوان الوزارة حاليا وتنتظر أن تطلق سراحها لتصل إدارات التعليم! إذا لم تكن وصلت فعلا! وهي متطلبات قابلة للتنفيذ بواسطة خبراء الوزارة واستشاريي شركات التطوير التي تعمل لخدمتها ويفترض أنها أنجزت فعلا.. ولن أتحدث عن التجهيزات والميزانيات! أخيراً أشير إلى أن معالي وزير التعليم نوه في كتابه (ص72) إلى ثلاثة عوامل لفشل مشاريع الإصلاح التربوية السابقة كان ثالثها هو «عجز الجهاز الحكومي المركزي المشرف على النظام التعليمي عن إدارة عمليات الإصلاح بذكاء» ثم فسر ذلك بـ»التعامل الذكي والإيجابي مع تأثيرات العاملين الأول والثاني اللذين قد يعيقان مسيرة التطوير» والعاملان هما: الرؤية السياسية العليا للنظام التعليمي وثقافة المجتمع المتمثلة بالخوف من كل جديد! وحيث أن الوزارة تعتبر حصة النشاط بندا تطويريا يخدم رؤية المملكة الطموحة فلا شك أننا نتوقع أن ترافقها (أو ربما تلحقها) إجراءات من هذا النوع المتسم بأنه تعامل ذكي و»إيجابي» يعالج عامل التخوف من الجديد، فنتطلع إلى رؤية هذا النوع من المعالجة الذي ستقدمه الوزارة الحالية لتضيف إلى الفكر التربوي المتعلق بإدارة التغيير وهو مجال يستهوي أكثر الناس للاطلاع عليه.