د. خيرية السقاف
الوجه الآخر للإعصار تتفتق جمال الطبيعة الوحشي فيه..
وأنت, تتأمل جبال الموج, تصغي لأزيز الريح
تنفذ عميقاً في محضن الدوامة الفاتك,.. تُذهل في كل دهشة, وتُدهش مع كل ذهول..
دواخلك كلها تستيقظ بما خفي فيها ومنها, وتفتح لك باباً إليك, إلى ذاتك, ومنها للإعصار..
تأخذك الرهبة تتلمس نبضاً جديداً نما كالعشب الشوكي في صدرك..
فيك تتلامس الكهرباء فلا تميز بين مكنونك الداخلي, وأثره الخارجي..
أنت لست أنت الوقور, المنتشي ببزتك المصقولة, وآخر تسريحة لشعرك الصقيل..
حذاؤك المنتقى بعناية من أفخم رف في دار البيع, أو أيسر ركن في مثيله النوعي
كلها في واجهة الإعصار منسية مهملة, لا تكاد تتكلم بها, وأنت في حضرته قد نسيت وقارك, كبرياءك, أنفك الذي ينوف...
الإعصار وحش مارد أنساك كلَّك, وما لك, وما حولك, بل من كان يرتشف معك
قهوة الصباح..
الإعصار قادم ينبئك في كل مرة أن تبتعد عنه شئت أم أبيت, لا قدرة لك على أن ترحب به في مكتبك, أو في مقهى كنت البارحة تطفئ فيه شمعة مولدك الذي في كل سنة يذكرك بالطريق, ولا حتى فوق رصيف تبادلت وزميلك للتو على ناصيته تحية اليوم..
لا يدع لك لحظة أن تفتح خريطة حجرات منزلك, أو مكتبك لتستبين حدودها.. أو تحتضن وسادة رأسك..
فهده البيوت كلها يكتسحها بظاهر كفِّه..
الأشجار يقتلعها بلمسة أنفاسه..
مارد عظيم, ذو ألسنة, وزنود , وقوادم هائجة جاء يقول:
ها أنا حضرت فلملموا أنفسكم, ودعوا بقاياكم..
بقاياكم كما قشور اللوز, والجوز, والنبت ذي الأرياش هشة لا تقوى عنفواني..
بقاياكم التي صنعتموها ليست لكم..
باقية وإن طال بكم المسار
فانية وإن بكيتم عليها, أو خسرتموها..
مرَّ عنيفاً, هادراً, صاخباً, باطشاً, نافذاً, فاتكاً, مقتحماً , صائلاً, معربداً لا ينظر لأحد, ولا يصغي لخائف, ولا يبالي بمرتعب, ولا يعنى بشيء،
رمى بمكنونه, فضَّ زوَّادته, لم يقف على رصيف ليتبادل التحية مع أحد,
ولم يسلم على كبير في مكتبه, ولم يربت على رأس صغير في كوخه..
ألقى كلامه دون أن يحشد من يصغي إليه, أو يُعدُّ لاستقباله منصات, لا قاعات, ولا ساحات..
أخذ الماء, مدَّ الماء, أخفى الممرات الصقيلة, نقض الأبنية العتيدة, قلع الشجر المتجذر, خطف الراسخ المتحضر, ربك, أخاف, أدهش, ومضى مارد الطبيعة الأزلي..
وأنت, للتو تضع يدك على صدرك لتطمئن إلى نبضه الفار أن عاد فاستقر
وفي أول سطر من دهشتك تسجل "إرما 2017"!!..