فضل بن سعد البوعينين
يربط الكثير بين الخلايا الاستخباراتية وعمليات المواجهة الميدانية، دون التبصر في مهامها الخفية المعقدة التي تتجاوز قوة تداعياتها الآثار الناجمة عن المواجهات العسكرية الطاحنة؛ والأسلحة الفتاكة. نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تفكيك الاتحاد السوفيتي دون أن تطلق رصاصه واحدة تجاه الشرق؛ أو أن تنخرط جيوشها في عمليات تفكيك ممنهجة تحملت مسؤوليتها أجهزة الاستخبارات؛ وخلاياها المنتشرة في الاتحاد السوفيتي؛ ومن أهمها الخلايا الحزبية والفكرية والإعلامية والشعبية المؤثرة.
قام (الربيع العربي) على هذه الأسس المحركة للشعوب الباحثة عن التطوير والحرية وغير المدركة بمآلات الأمور وما خطط له الأعداء الذين لبسوا عباءات الملائكة والمنقذين. لعبت الأحزاب وأجهزة الإعلام الموجهة أهم الأدوار القذرة؛ ونجحت في تجنيد إعلاميين ومفكرين ورجال دين؛ واستثمارهم لتحقيق الأهداف الاستخباراتية المرسومة. كما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تهييج الشارع العربي وتجهيزه للخروج على الأنظمة والحكومات. شكلت قطر محور التخابر العالمي لتنفيذ خطة «الشرق الأوسط الجديد» في الوقت الذي تولت فيه قناة الجزيرة دور إثارة الشعوب وتوجيههم؛ وتجنيد الاتباع وتشكيل خلايا فكرية المظهر استخباراتية المخبر؛ وأنفقت بسخاء على المشاركين في برامجها؛ وهيأت البيئة الحاضنة للشباب الباحث عن الانخراط في الحقل الإعلامي من خلال معاهد متخصصة تديرها الجزيرة ويقوم على التدريب فيها بعض مذيعيها المحترفين الذين جمعوا بين التدريب والتجنيد في آن. ولنجاح المهمة كان لا بد من تشكيل خلايا استخباراتية ذات طابع فكري وحركي في جميع الدول المستهدفة وفي مقدمها السعودية؛ ترتبط بقيادة مركزية مدمجة بين الحكومة القطرية وقناة الجزيرة؛ مركز التجييش والتجنيد؛ وتعد المتصرف الأول في الملف الاستخباراتي والتجنيد والتنسيق والتمويل أيضًا؛ وهو أخطر الجوانب وأكثرها وضوحًا.
شكلت السعودية الهدف الرئيس لأجهزة الاستخبارات الصهيوصفوية قطرية؛ لمَ لا وهي حاضنة الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين ومعقل الإسلام ومهد النبوة. نجحت الجزيرة في استقطاب مفكرين ودعاة وإعلاميين ومشاهير وتمكنت أجهزة الاستخبارات من تجنيد بعضهم بطرق ناعمة في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب. كان الحركيون على علم تام بكل ما يُخطط له؛ في الوقت الذي أخذ فيه البعض على حين غرة تحت إغراء المال والتقدير الفكري والوجاهه وفتح قنوات الإعلام لهم. تكشفت أهداف حكومة قطر والجزيرة وأجهزة الاستخبارات الصهيوصفوية تجاه السعودية؛ ورفعت الجهالة عن كل من ارتبط بقطر وحكومتها بعد سنوات المواجهة؛ واتخذت القيادة مواقف حازمة ضدها؛ ونبهت مواطنيها من مغبة التعاون معهم بأي شكل من الأشكال. تنبه البعض للمخاطر واستثمر نصح القيادة وتراجع عمّا كان عليه؛ ومضى البعض الآخر حيث قادته المنون.
لم يكن رصد؛ رئاسة أمن الدولة «لأنشطة استخباراتية لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية»؛ جديدًا ولا مستغربًا؛ عطفًا على الأنشطة التخريبية التي مولتها حكومة قطر خلال العقدين الماضيين؛ وانكشاف أمرها للجهات الأمنية التي كانت تتابع تلك التحركات بدقة وصمت. الأمر المستغرب هو صبر الجهات الأمنية على المنخرطين في تلك العمليات الاستخباراتية والأنشطة الميدانية برغم التحذيرات والتنبيهات المستمرة لهم.
لم يكن الأمر على علاقة بآراء ومواقف متعارضة مع الدولة بل بأفعال مضرة تهدد الأمن والسلم المجتمعي. وبالعودة إلى القضايا التي هددت أمن المجتمع ومنها ملف القاعدة وداعش والإخوان والخلايا الصفوية وإرهابيي العوامية نجد أنها ارتبطت بمحرك استخباراتي رئيس جندت من أجله المجموعات والأفراد لإثارة المجتمع المحلي والدولي ضد القيادة ورجال الأمن ونشر الفوضى؛ وقود الخراب وتفكيك الوطن. لعب المال القطري القذر دورًا رئيسًا في تمويل التنظيمات الإرهابية الصفوية في العوامية وجماعات القاعدة وربيبتها داعش؛ وتمويل الخلايا الاستخباراتية التي تولت مهام الدعم الفكري والإعلامي والحركي والشرعي الموجه لضرب السلم المجتمعي وزعزعة الأمن وتبرير أعمال الجماعات الإرهابية وانتقاد أي تحرك قانوني ضدها.
ملف تمويل الخلايا الاستخباراتية ربما كان الأهم في توجيه الادعاء؛ وتشكيل القضايا؛ وتقديم المتهمين للمحاكمة؛ وهو ملف غير تقليدي، لا يخلو من التعقيد والتشعب؛ لاختلاط التمويل الاستخباراتي بأعمال تجارية وتعاقدات استثمارية ومحافظ عقارية خارج المملكة.
المواجهة مع قطر لن تتوقف على مواجهة حكومتها والدول الداعمة لها؛ بل ستغوص في حاضناتها الطرفية التي شكلت من خلالها طابورًا خامسًا استهدف أمن واستقرار المملكة. تحصين الداخل هو السلاح الأقوى في مواجهة أعداء الخارج.