د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** جيلنا أو من سيبقى من جيلنا يستعد ليقف على خطَّ الواجهة «العُمْرية» الآفلة؛ فالحياة تتسارع والأحياء يتبدلون، والدنيا بألوانها وروائحها تودع الناس قبل أن يودعوها، وكلما غادرَنا كبيرٌ أيقنّا أنّ لكل زمنٍ رموزًا يصنعهم العمر حينًا والعمل حينًا والمواقفُ أحايين.
** كذا ترث الأجيال من سبقها وتُورث من يلحقها، وتبقى الأزمنة ملأى بمن احتفى بهم التأريخ فوثق حراكهم أمام الملأ، وبمن أهملهم فلم يتجاوز ذكرُهم محيطَ ذويهم، وربما كانوا أسعد ممن ظل المؤرخون يتنازعون وسومهم ورسومهم؛ فللظل لافتة باذخة تُغري من فاء إليه بهدوءٍ جاذبٍ لا يُعكره انتماءٌ أو انطواء، ولا يستهلكه إعلامٌ أو استعلام، ولا يعنيه احتفاءٌ أو رثاء ولا تقديم أو تقويم.
** تواضع الناس على «مجانية « الألقاب يمنحونها لمن «بلغ من الكبر عتيَّا» أو لمن أبلغه مريدوه مكانًا عليَّا ولو امتلأ تأريخهما بما يسوء شخوصَهم ويشوه نصوصهم، وفي هوجة الفضاءات المفتوحة اختلط ذوو اللقب والنشب بذوي البذل والنّصَب؛ فألفينا المسرح دون أركان والمَشاهد من غير عنوان.
(2)
** تزدوج مواقف الأغلبية وفقًا لما يسود الساحة المجتمعية والإعلامية من أدواءٍ وأدوار، وفي الوقت الذي اعتلت فيه الصحوة وقتًا ثم انبعث ماوراءها، وماتت الحداثة فتسنم ما بعدها فقد بقي من الإنصاف محاكمتُهما؛ لا بمنطق التشفي ولا برموز التخفي؛ ففي كلتيهما مورس القمع والمنع والتضليل والتطبيل ورُفع مَن حقُّه الوضع وضُيّع من مقامه الريادة، وتجاورتا ربع قرن فلم يعِ الناس: من هم وإلى أين يسيرون، وانتبهوا فإذا هم تائهون.
** لا يمس هذا الحداثة الصلبة المتحولة إلى سائلة بوعيٍ يؤمن أن القطيعة الأبستمولوجية « المعرفية « ليست خصامًا مع الماضي بل هي امتداد له بآفاق لا أنفاق وبإدراك لا تبعية، ومثلها الصحوة التي لم ترتكس في الأمس ولم تنتكس بالحس وتخرَّج فيها شبابٌ متميزٌ بعلمه التأصيلي وتراثيته المتجددة.
(3)
** لا يجيءُ ذكر الأعمار والألقاب والحداثة والصحوة محوريًا بل استدلاليًا على أهمية تفكيك الترميز التصنيمي من سدنته كما من جماهيره وضرورة القفز فوق الأسماء والأهواء كي نقرأ التأثير والتغيير دون أن نقف عند المردِّدين والمترددين.
** المؤدلَج يتحيز والكبير يخطئ والعاقل يحيد لكن من يخشى ربه ويراقب ضميره لا يعزف على مزامير أناه؛ فيُراجع ويتراجع ويُنصف وينتصف من غير أن تعنيَه الشخوص أو يستوقفه كاتبو النصوص؛ فالفرد لا قيمة له في التجارب الإنسانية الممتدة مهما حاول تلميع نفسه أو اجتذب إليه من يلمعُه،وساعة الحقيقة لن تأبه بالظرف المكاني والزماني ولا بالرقم والوظيفة ولا بالصوت والصيت،وقد يتأخر بيانُها ولكن إلى حين.
(4)
** المراجعة انعتاقٌ فانطلاق.