د.علي القرني
العرب ربما يتقدمون على باقي الشعوب العالمية في الفضول أو «اللقافة» بلغة أخرى أكثر صراحة، فهم شعوب تبحث عن الجديد عن المفقود عن الغائب وعن المخفي، وظلوا وربما يظلون في هذه المهمة لعقود وربما قرون عديدة. إذا نظرنا إلى تويتر أو جوجل أو غيرهما من محركات البحث، سنجد أن العرب لهم بصمة فضول عالية جدًا تتخطى باقي شعوب العالم. فمثلاً عندما تبحث عن كلمات مفتاحية معينة ستجد كلمة «قبل وبعد» هي من الكلمات المفتاحية التي يترك العرب بصمة كبيرة فيها، وهناك أمثلة.. قبل وبعد عمليات التجميل، قبل وبعد الزواج، قبل وبعد السفر، قبل وبعد المنصب.. وقبل بعد أي شيء آخر..
ولكن فيما يبدو أن «قبل وبعد عملية التجميل» هي التي اشغلت الشعوب العربية خلال العقد الحالي وربما قبل ذلك، ففضولهم يتجاوز كل شيء ويتعدى كل شيء ويقتحم خصوصيات النجوم والشخصيات العامة وحتى الناس العاديين.
ونحن في الحياة الأكاديمية عنصر المقارنة (قبل وبعد) يعني لنا الكثير من القيمة العلمية للأشياء والتغيرات التي تحدثها معالجات كيميائية أو عضوية أو طبيعية أو تغيرات سلوكية أو معرفية، ولهذا فإن السؤال عن قبل وبعد يعد من الأسئلة المشروعة في الجامعات ومراكز البحوث العلمية، ولكن نفس السؤال الذي يتكرر عن قبل وبعد عمليات التجميل فأرى أنه غير شرعي من أساسه، ولا يلبي أي متطلبات إنسانية سوى الفضول (واللقافة) التي يتسم بها العنصر العربي من بين عناصر الشعوب العالمية.
والعرب هو شعب مقارنات بالدرجة الأولى، وهو شعب فضولي بامتياز يفوق الوصف، ولهذا فإن محركات البحث في الإنترنت تلبي هذا النهم العميق في الشخصية العربية، وربما أن قبل وبعد هي الكلمة التي تجسد الحالة العربية الراهنة التي تنتابنا عندما نتصفح جوالاً أو ايباد أو لابتوب أو جهاز كمبيوتر، فربما أول ما يتبادر للذهن هو سؤال قبل وبعد، أي شيء.
وتحظى الفنانات والمذيعات - وبدرجة أقل بكثير الفنانين والمذيعين - بطبيعة الحال بنصيب الأسد في هذا الكم الهائل من المقارنات، وتتصدر فنانات الخليج ولبنان هذه القائمة الكبيرة التي تجتاج جوجل ليل نهار، وفي كل وقت وحين. ولا شك أن الجمهور العربي في منطقة الخليج هو الجمهور الأول الذي يبحث عن هذه المقارنات في كل الأنحاء، وصور جوجل أو برامج يوتيوب وقنواته هي الشاهد الحي على ذلك. وتظهر قوة النظر وحصافة الفكر ودقة الملاحظات على هذا الجمهور وهو يتحدث ويشرح ويعلق على هذه التغيرات على الفنانين والفنانات والمذيعين والمذيعات. وكذلك لا ننسى دخول الرياضيين إلى هذه الحلبة مؤخراً، فأصبحوا مادة مقارنات بعمليات تجميل لهم سواء في ظروف وردية أو ظروف قسرية.
وهذه الخاصية التي يتميز بها الشعب العربي لم تتوقف على مجرد مشاهدة خاصة في مقارنات القبل والبعد، بل تعدتها إلى مشاركات وتعليقات عامة وأمام الجمهور وفي حضرة المعنيين والمعنيات دون أدنى صورة مجاملة أو احترام. ويتبع ذلك طبعًا وأحيانًا كثيرة سباب وهجاء وتجنٍ وكلام غير لائق أبدا. وكأن الجمهور هو ولي أمر المعنية بعملية التجميل، أو طبيبها، أو مستشارها النفسي. ونستغرب نحن العرب منّا العرب كيف أننا وصلنا إلى هذا القدر من الفضول الذي يتجاوز حدود الأدب ويتجاوز أخلاقيات الشخصية العربية ولياقة النفس البشرية. والسؤال هو هل سيأتي وقت ونتوقف عن هذا الفضول الجامح واللقافات الشخصية والتمادي اللا محدود على الشخصيات العامة ونجوم الفن والإعلام والرياضة، هل سنتوقف في يوم من الأيام، أم أننا سنظل في هذا التمادي؟