د. فوزية البكر
تقدمت جامعة الطائف بقيادة مديرها المبدع معالي الدكتور حسام زمان جامعات المملكة وذلك بمبادرتها التاريخية بافتتاح أول برنامج جامعي لإعداد متخصصات سعوديات في مجال التربية البدنية للعمل في مدارس البنات من خلال خططها التطويرية الكبيرة التي تجري داخل أروقة كلية التربية بالجامعة . وأوضحت الجامعة أن إطلاق القسم الجديد، تحت مسمى: "قسم التربية البدنية وعلوم الرياضة"، يأتي مواكبًا لقرار وزير التعليم، الدكتور أحمد العيسى، القاضي بالبدء في تطبيق برنامج التربية البدنية في مدارس البنات اعتباراً من العام الدراسي المقبل 1438 - 1439هـ.
الغريب حقا هو الإقبال الاجتماعي المنقطع النظير على الالتحاق بالقسم المذكور حيث ذكرت الجامعة ومنذ افتتاح برامجها لقبول الطالبات في شهر شوال أن أكثر من 2129 طالبة وضعن هذا القسم كرغبة أولى لهن فيما اكتظت أروقة عمادة القبول والتسجيل في الجامعة بتساؤلات الطالبات من أقسام أخرى حول إمكانية التحويل إلى القسم الجديد.
ما الذي نقرؤه من خلال هذه الأرقام؟ ببساطة أن السياسات العامة التي تتبعها الكثير من الأجهزة الحكومية المغالية في تحفظاتها تجاه أي تغيير لا يعبر بالضرورة عن رحى التغيير الاجتماعي الذي يضج به مجتمعنا اليوم . الكثير من السياسات التعليمية والتوظيفية العاجزة عن مواكبة تطور الاحتياجات التنموية والشخصية وخاصة ما تعلق بالمراة أن لها أن تترجل وتترك المقود للجيل الشاب الذي يحلم كما كل الشباب في العالم: بتعليم متوزان يحقق الانتماء والاكتفاء العقلي والمهني و يوفر حياة كريمة وآمنة للدارس والدارسة بعد التخرج بدل مئات الآلاف من الخريجين والخريجات العاطلين عن العمل والذين درسوا تخصصات نظرية لا تناسب العصر، واليوم هل يسأل عنهم أحد؟ هل هناك أية درسات تتبعية من الأقسام والجامعات التي خرجتهم تسأل عن مصير خريجيها ونسب التحاقهم بسوق العمل؟ بالطبع لا فبالنسبة للمؤسسات الحكومية بما فيها الجامعات فإن العمل هو مثل خط التشغيل: يرص الطالب والطالبة في أول الخط ليخرج من ثقب الفوهة في نهاية السنة الرابعة ولا يعلم أحد عنه ليواجه مصيره وحيدا مجاهدا يركض من جهة إلى أخرى بحثا عمن يبتسم في وجهه على الأقل أو يقبل أن ينظر في ملفه الممتلئ بالتوصيات دون ذرة أمل في العثور على عمل : أي عمل .
هذه الآلاف من الشباب العاطل يدفع ثمن سياسات تنموية خاطئة وخاصة في المجالات التعليمية اتخذها (حزبيون) ومسيسون ملئوا مؤسساتنا وها هو تعليمنا يلام بسبب ضعفه وتأخره وبلادة برامجه العاجزة عن مواكبة التطورات التي تحدث في سوق العمل وخاصة مع الثورة التكنلوجية الرابعة التي يضج بها عصرنا الحاضر. وعلى سبيل المثال لا الحصر ظلت كليات التربية للبنات وكليات الآداب التي كانت تتبع للرئاسة العامة لتعليم البنات سابقا تخرج مئات الآلاف من الفتيات اللاتي عجزن تماما حتى في أبعد المناطق من إيجاد وظائف مناسبة لهن وهوما ترتب عليه مشاكل لا تحصي من طلبات النقل والتغيب ووفاة المعلمات في الطرق ومشاكل لا تحصي عانت منها هؤلاء الخريجات اللاتي لا يعلم إلا الله ما واجهنه في لياليهن الظلماء وهن يركبن هذه الباصات المهترئة في أوساط الليل ويمخرن عباب البلاد بلا قيادة أمنة وذلك من أجل وظيفة (تغبطهن) عليها الأخريات العاطلات لينتهي بهن المسار مقتولات في طريق وعر بيد سائق متهور ولتذهب آلاف الأرواح وتتمزق مئات الأسر وكله لأننا لم نوجد المناخ الإرشادي المناسب لهن ولم نوجد تخصصات دراسية ومهنية ملائمة لاحتياجات سوق العمل تسمح لهن بلقمة عيش كريمة وهي من حقهن على المجتمع كما هو حق كل خريج ذكر والذين يعانون هم الآخرون ويلات الحاجة والفقر ونظرات التساؤل ممن حولهم لينتهي المطاف بهم بلا عمل أو أسرة أو مسكن فماذا نتوقع من نهاية لأمثالهم؟
نتمنى أن تتمكن الجامعات عبر استقلالها الذي وعدت به الوزارة وعبر تطعيم قياداتها بالتوجهات الشابة القادرة على استيعاب ضرورات العصر من تخطي غمامة (البيروقراطية الإدارية) والمؤسسية التي تغطي على ما تقدمه لهذا الوطن من أعمال وبحوث وخريجين مهرة وفي تخصصات علمية ومهنية يحتاجها الوطن ولعلها عبر تسريع أعمالها باستقلاليتها الإدارية والمالية تتمكن من اتخاذ قراراتها بشكل أسرع وببيروقراطية أقل وتنجح في خلق التخصصات وفرص العمل التي يحتاجها الوطن كما فعلت جامعة الطائف.