محمدالمهنا أبا الخيل
منذ أن قامت دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين وقادتها على يقين تام أن إسرائيل لن تدوم طويلاً أكثر مما دامت مملكة القدس الصليبية، وأن العرب وإن ضعفوا ووهنوا في فترة من تاريخهم، فسيأتي يوم ويفيقوا إفاقة تقضي على كيان إسرائيل المصطنع، هذه القناعة لدى الصهاينة جعلتهم في شغل دائم لتكريس ما يعزز كيانهم ويضعف قدرات العرب على منازلتهم، مع أن إسرائيل سعت منذ البداية للاعتماد على حماية القوى العظمى الغربية من تحرير فلسطين من أسرها، إلا أن قادتها مدركين أن تلك الحماية لن تدوم, فسياسات الدول رهن مصالحها على المدى الطويل، لذا وجد الإسرائيليون أن سر تفوقهم وبقاء دولتهم يكمن في معادلة واحدة، تتمثل في تحقيق التفوق التقني العسكري لدى إسرائيل وإضعاف القدرات العربية على مواجهتها.
يدرك الإسرائيليون أن البناء المعرفي عند العرب يشتد عاماً بعد عام ويكتسب العرب تقنيات ومعارف وتنمية تعيد لهم بعض من دورهم الحضاري، والإسرائيليون يدركون أن ذلك يخل بمعادلة بقاء إسرائيل، لذا باتوا يبحثون عن نقاط الضعف التي إن لم تجهض الطموحات التنموية العربية فهي ستحد من قدرة العرب على التفوق على إسرائيل، لذا وجدوا أن أهم نقاط الضعف تتمثل في (3) جوانب رئيسة هي:
1 - التنوع الطائفي والمذهبي الديني عند العرب.
2 - الاستعداد النفسي العربي للوحدة والانقسام الجغرافي بناء على المشتركات الدينية والقبلية.
3 - تجذر الحاكمية الأوتوقراطية والنزعة الفردية في اتخاذ القرارات الإستراتيجية عند القادة العرب.
منذ بداية صراع حركة الإخوان المسلمين مع السلطة في مصر وبعد ذلك سوريا، حظيت الحركة بدعم غربي غير منظور وأصبحت (هامبورج) في ألمانيا أحد أهم مركز تأليف الحركة وتنمية مواردها الإستراتيجية، ثم تفتق من تلك الحركة عدة حركات إقليمية في معظم البلدان العربية وكان لكل حركة إقليمية صبغتها المحلية ولكن في جوهر ذلك تكمن وحدة فكرية تتطابق مع جوهر حركة الإخوان المسلمين، من تلك الحركات على سبيل المثال لا الحصر (التكفير والهجرة) و(الصحوة) و(القاعدة)، وكانت تلك الحركات في ظاهرها حركات تحرير وتوحيد للمسلمين وفي باطنها حركات تقسيم وتشتيت للوحدة وإغراق في تفاصيل الخلافات البينية بين المذاهب والطوائف وتكفير وإقصاء وتأهيل لانشقاقات وتكوين حركات إرهابية تعمق التشرذم العربي في بناء سياسة موحدة تجاه إسرائيل.
تأزيم الواقع الاجتماعي والسياسي والطائفي في المنطقة العربية المحيطة بإسرائيل هو مخطط إسرائيلي يمثل المرحلة الأولى في المخطط الصهيوني العام والرامي للسيطرة على المنطقة العربية سيطرة إستراتيجية سياسية واقتصادية، حيث تمثل المرحلة الأولى إعداداً لوجستياً لمسرح عمليات المرحلة الثانية والمتمثل في خلق بؤر صراع طائفي ومذهبي تتحول سريعاً لنزاعات مسلحة وحركات انفصال وتشتت واقتتال يشغل العرب بعضهم ببعض. وتعتمد المرحلة الثانية بدرجة كبيرة على آلية اعتمدتها بريطانيا الاستعمارية، حيث لم يغب عن مخططي المؤمرات الإسرائيلية تاريخ العرب السياسي الحديث، حيث لعب الجاسوس البريطاني (توماس إدوارد لورانس) - المعروف بلورنس العرب - دوراً مركزياً في تقسيم الدولة العثمانية، حيث تعيد إسرائيل اليوم تمثيل الدور بشخصية مختلفة ومسرحية مختلفة ومسرح عمليات مختلف، فالدولة التي تمثل العمق الإستراتيجي العربي اليوم هي المملكة العربية السعودية، لذا هي المستهدفة بالضرر والشخصية الجامحة والطامحة هو الشيخ حمد بن خليفة والجاسوس اللورانسي هو (عزمي بشارة)، والهدف هو العمل على تمزيق الكيان السعودي ومنح جائزة صغيرة للشيخ الطامح تتمثل في توسيع رقعة قطر جغرفياً.
الملاحظ لمسيرة عزمي بشارة منذ كان في حركة التجمع الديموقراطي في إسرائيل والتسهيلات التي قدمت له خلال تلك الفترة وتيسير دراسته في ألمانيا ثم عودته وعضويته مجلس الكنيست ثم انشقاقه الصوري الذي جعله مقرباً للسلطات السورية وحزب الله، وبعد نمو العلاقات بين إسرائيل وقطر قبل إرهاصات الربيع العربي، تقرب عزمي بشارة للقيادة القطرية حتى أصبح مهندس إستراتيجيتها، وأحد أهم أركان سياستها الخارجية، ومنذ خرج عزمي بشارة من إسرائيل في صورة انشقاق لم يناضل بكلمة واحدة في اتجاه تحرير فلسطين، وجعل نشاطه يتمحور حول تنمية الصراعات البؤرية في المنطقة العربية لتفعيل المرحلة الثانية من الإستراتيجية الإسرائيلية. فهل عزمي يسير على خطى لورانس؟!!