د. جاسر الحربش
عندما نقول «المعلم» لا نعني شخصاًً بذاته، وإنما المحصِّلة النهائية للتعليم التي هي الناتج النهائي للمنهج والكفاءة المهنية والإخلاص للمسؤولية، لذلك يتوقع أن يكون أي معلم يدرك امتلاكه لهذه الميزات أن يجد نفسه خارج الحساسية من النقد الموجه للمعلم، بل ويفرح له وبه، بناءً على معرفته لزملائه الآخرين بالمقارنة والمعايشة اليومية.
ما زلنا نتذكر مصطلح «تعليمنا مختطف» الذي نكرره كثيراً منذ عشرين سنة. المعنى في ذلك هو أن التعليم انحرف من مهمته لإنتاج العقول والأفكار والكفاءات، نحو مسارات أيديولوجية سياسية. هل ينكر أحد حصول ذلك؟. بلى هذا ما حصل، ولكن الساحة الوطنية بكاملها كانت مختطفة بنفس الطريقة.
دور المعلم في استخدام الفصل الدراسي للأدلجة السياسية كان مجرد جدول إضافي يصب في نهر الدعوة والمتاجرين بالدعوة (وهم يعرفون أنفسهم بالتأكيد)، والفضائيات الدينية والشعبية ومعسكرات الشباب اللاصفية. النتيجة كانت حرمان التعليم بالذات من الإمكانيات المالية الهائلة التي وفرتها الدولة لوزارات التعليم، وتخريج إما عقليات إرهابية أو مسوخ لا تستطيع الحديث بلغة عربية سليمة.
إذاً ما دام هذا هو واقع التعليم السعودي ومخرجاته، لماذا ينزعج بعض المعلمين والمعلمات من تذمر الوزير تجاه أدائهم ومحاججاتهم، ومن النقد المفتوح الموجه للتعليم والمعلمين كبنية أساسية لنهضة الأوطان، وليس لهم كأشخاص؟.
الاحتجاج بسوء المرافق ونقص التجهيزات وشح المياه النظيفة يمكن قبوله فقط كفقرة جانبية في النقاش، لماذا؟. لأن المعلم السعودي يجب أن يعترف بأن الكثيرين من نوابغ الهنود والدول الآسيوية في الرياضيات والحواسيب والبرمجيات وعلوم الذرة لم يتلقوا تعليمهم في فصول مكيفة، وإنما تحت الأشجار في الحقول وأحياناً بين حظائر المواشي. الفرق كان في كفاءة المعلم وإخلاصه وانفكاكه عن الأدلجة العقائدية والسياسية.
هل للطبيب الحق في التقصير تجاه بعض المرضى، محتجاً بالغبن وسوء تهوية العيادة ونقص الأدوية؟. لا ليس له الحق في التقصير، فهو مطالب بتقديم أفضل ما عنده حسب الإمكانيات المتوافرة، ولا دخل لمذهب المريض ولانتمائه الحزبي أو القبلي في الموضوع. لذلك، ولأنه يوجد أطباء يتعاملون مع مهنتهم بهذه العقليات المريضة ننتقد سوء الخدمات الصحية ونطالب بمراقبة الأطباء والمؤسسات الطبية.
المرحلة التي نعيشها الآن مرحلة حرث جديد وإلقاء بذور أفضل، ولن يكون التعليم استثناءً من ذلك، بل يجب أن يكون المعلم أول من يفرح بحرث حقله وتجديد تربته الزراعية.
في الختام مرة أخرى، المعلم مجرد موظف مثل غيره، لكنه الموظف الذي تتناسل كل الفعاليات الوطنية القادمة بخيرها وشرها من خلال كفاءته وإخلاصه وعدم توقفه عند المرحلة التي تعين فيها أول سنة في الوظيفة.