د. محمد عبدالله الخازم
جاء دمج وزارتي التعليم (العالي والعام) مبشراً لكثير من المهتمين بسياسات التعليم العالي باعتباره سيفرض واقعاً لا مناص منه يتمثل في منح الجامعات مزيداً من الاستقلالية، فمن ذا الوزير السوبر الذي سيستطيع إدارة وزارتين بنفس الطريقة القديمة. الخيار سيكون حتماً باتجاه استقلالية الجامعات. ازداد التفاؤل بتعيين وزير سبق أن طالب ويبشر باستقلالية الجامعات. لكن الذي حدث هو جمود في التطوير وفراغ تشريعي بغياب مجلس التعليم العالي وانتظار نظام موعود للجامعات طال انتظاره ولم نعرف معالمه، باعتباره لازال يدرس - كما يقال- داخل الدوائر الضيقة و لم يقدم لمجلس الشورى حتى الآن ولم يبعث للجامعات لأخذ مرئياتها حوله. هذا الجمود صاحبه قرارات تأخذنا للوراء وبعضها يبدو أنه يفرض دون نقاش في أروقة المجالس الأكاديمية بالجامعات، ودون دراسات علمية تسند موضوعيته، مما يعني أننا كنا نشكي مركزية في الوزارة ومجلس التعليم العالي فاستبدلناها بمركزية فردية، أخشى منحها تسمية أخرى.
أحد القرارات التي صدرت مؤخراً وتعيدنا للوراء تتمثل في إلغاء كافة اشكال التعليم العالي عن بعد، بمسمياته الانتساب والتعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني... وقد أثرت تأخير الكتابة عنه حتى انقضاء أطول إجازة تعليمية مليئة بالفراغ والملل! الإلغاء يعني تقليص حرية التعليم لكافة أفراد المجتمع، ممن لم تسعفه ظروفة للالتحاق ببرامج تقليدية أو وجد أنه أنسب له الدراسة عن بعد. ويعني أننا نسير عكس التوجهات العالمية في التعليم الجامعي في فتح قنوات أو طرق تعليمية مختلفة، ويعني التشكيك في كفاءة أو أمانة جامعاتنا المختلفة ويعني الضرب بكل الأموال والجهود التي بذلت في هذا المجال عرض الحائط.
نفهم أن بعض تلك البرامج ضعيف وبعض الخريجين يضغط على جهات التوظيف لمساواة تلك الشهادات بالتعليم المنتظم، لكن ذلك ليس مبرراً لحجب التعليم عن بعد. التعليم ليست مسؤولة عن التوظيف لكنها مسؤولة عن اتاحة التعليم عبر قنوات مختلفة. مؤسف أن القرار أتى دون قناعة من الجامعات التي استثمرت عبر سنوات طويلة في تطوير هذا النوع من التعليم. مسؤولو الجامعات رضخوا لرغبة الوزارة وفي المجالس سمعت من بعضهم كلاماً يدل على عدم القناعة وأن القرار صنع من الأعلى بطريقة توجيهات ملزمة التنفيذ، لا يدعمها دراسات وأرقام واضحة. لم يتم دراسة الفكرة داخل أروقة الجامعات وأقسامها المتخصصة، وبعضها تقدم هذا النوع من التعليم منذ عقود وأسست له عمادات ووكالات جامعات. لم تترك حرية القرار لكل جامعة لاتخاذ ما تراه مناسباً وفق فلسفة الاستقلالية التي نكررها في الاعلام ونسير عكسها في الواقع. يبدو أن فكرة استقلالية الجامعات مجرد تنظير لا يصمد أمام شهوة التحكم الإدارية!
مبتعثو التعليم في مختلف دول العالم وتعرف الوزارة أنهم يضطرون لدراسة بعض المواد عن بعد، لأن ذلك توجه عالمي حتى في أرقى الجامعات، ورغم ذلك تحرم هذه الممارسة محلياً، كتأكيد للعزلة عن قراءة التطورات العالمية في التعليم. كنت أطالب بإتاحة بعض المواد كمتطلبات الجامعة والمواد الاختيارية لتكون الكترونية (عن بعد) حتى للطالب المنتظم وفق النظام التقليدي، فإذا بهم يطالوبننا بالعودة لنظام السبورة والطبشورة.