أمل بنت فهد
الدرس الذي تمنحه الحياة للجميع دون استثناء.. مهما كان صغيراً أو كبيراً.. ومهما كثرت تجاربه أو كانت قليلة.. أن لا تجزم حين تقول أعرف فلانا مثل معرفتي بنفسي.. فالواقع أن لا أحد يعرف أحد دون معجزة النظر خلف القناع.. وحتى وإن شاهدت ما خلفه فلن تستوعب كل ما سوف تراه.. ولسوف تصدمك النتيجة.. لأن القناع وسيلة الإنسان لستر عيوبه.. وإخفاء مقاصده.. والتستر على نواياه.. التي يعرفها عن نفسه.. والأمور الغامضة التي لم يعرفها بعد.. لذا تجد العارف ببواطن الأمور.. لا تخيفه التشوهات التي يراها خلف الأقنعة.. ولا تثير دهشته المواقف.. كما تدهش الإنسان البسيط الذي يعيش على مبدأ الظواهر.. لأنه لا يستطيع رصد الخيوط الشفافة التي تربط الخير بالشر.. والصلاح بالنفاق.
فالإنسان يعيش صراعاً مستمراً.. بين رغباته العميقة.. وأطماعه.. وغرائزه.. ومشاعره.. فكما لكل إنسان جحيمه الخاص.. فإن له إعصاره الذي يخفيه عن الآخرين ويمور في جوفه.. يعيشه وحده.. يموت فيه وحده.. ينتصر وحده.. وينهزم وحده.
بالطبع ليس لنا أن نتعامل مع الآخر إلا بما يظهره لنا.. لكن دون تلميع ولا تطبيل ولا افتتان.. ولا كراهية غير مبررة بفعل صريح.. لكن حين تصطدم بحقيقة أن فلانا ليس كما يبدو.. وأن الشك يدور حوله.. وأنه في مرمى الجهات الأمنية ومطلوب لها.. وقبل أن ينطلق المحامي الصغير من داخلك.. تذكر أنك لا تعرف أحداً كما هو فعلاً.. وانظر حولك جيداً.. ستجد أقرب الناس إليك خلال حياتكم مع بعض.. كم صادفت منه مواقف تنسف الصورة التي رسمتها له.. وتلخبط ألوانها.
وكما أن الإنسان يخضع لعمليات تجميل وجهه وجسده.. تأكد أنه يخضع لعملية تجميل شخصيته.. يصعب أن يكون الإنسان كما هو دون قناع.. لأنه سوف يخسر جمهوره.. وأمور أكثر قيمة حتى من الجمهور.
تفضحه فلتات لسانه.. مواقفه على امتداد أعوام طويلة.. وتحتاج لتكشف جزءا يسير من المستور.. أن تعرف تاريخه كله.. وحاضره.. وهذا عمل جبار لا يمكنك أن تقوم به وحدك.
فإذا كانت نفسك أنت.. والتي تعيش معها أكثر من غيرك.. تصدمك وتدهشك.. وتخيب ظنك.. وتخذلك.. فكيف بالآخر الذي لا تعرف عنه.. إلا ما سمح لك أن تعرفه.. من السذاجة أن تراهن على أحد.. وأنت بالكاد ترمم خسارتك من تردد نفسك.. وانهزامها أمام إغراء المال.. والسلطة.. والهيمنة.. والشهرة.. والاستحواذ.. والسيطرة.
يمكنك فقط أن تراهن على المصلحة المشتركة.. وأنت مرتاح البال.. فهي مفتاح فهم المواقف المتداخلة.. والغامضة.. لا تعتمد على رأي الأكثرية.. واعتمد على المصلحة التي تجمع كل شيء.. فهي مقياس قلما يسمح بمرور «العبط».