فوزية الجار الله
لعل من أشد الابتلاءات في زمننا هذا هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مخيف، من هذه الوسائل (السناب) الذي اكتسح الأجهزة والبيوت والعقول واستقطب الكثير من الجماهير من أولئك «المتابعين وحسب».. أكاد أجزم بأن معظم من يتابعون أصحاب «السناب» لديهم فضول جارف لمتابعة جداول أعمال أولئك اليومية التي هي ذاتها تقريباً تلك التي يمارسها كل إنسان ينتمي إلى الجنسية ذاتها والوطن ذاته، خصوصاً إذا علمنا بأن معظم أولئك المتعاملين مع السناب هم أناس عاديون لا يملكون موهبة ولا تميزاً على أي صعيد سوى أنهم تعلموا شيئاً من مهارات التعامل مع الهاتف الجوال ابتداء بـ (السيلفي) ثم تطور الأمر إلى «السناب» وبما أن الأول أصبح أكثر جرأة للحديث عن خصوصياته ابتداء من غرفة نومه إلى كل زاوية في بيته فالمشاهد على الطرف الآخر أكثر فضولاً لمتابعته وتقصي فصول حياته بمنتهى البساطة وهو مسترخ على إحدى الأرائك في منزله.. والسيء في الأمر أن صاحبة أو صاحب هذا السناب لا يملك ثقافة ولا يقدم معلومة جديدة مفيدة، فعلى سبيل المثال لو كانت صاحبة السناب امرأة، مع ملاحظة أن المرأة المتزوجة في مجتمعنا أصبحت أكثر جرأة في هذا المجال غالباً فقد ضمنت زوجاً وأطفالاً ولا تخشى انتقاداً من أحد ما دامت تحت ظل رجل..
أتابع حديثي وأقول فلو كانت صاحبة السناب امرأة فستكون يومياتها غالباً في هذا الإطار:
الاستيقاظ صباحاً، حديث عن هموم البارحة وأعمال اليوم التي لا بد من إنجازها..
الخطوة الثانية: إيقاظ الأطفال، حديث قصير معهم واستعراض لخفة دمهم وبراءتهم وربما بكائهم وعنادهم التي لا تعلم بأن أحد أهم أسبابه هو انشغالها عنهم بالهاتف الجوال وبالمتابعين الذين يراها أكثرهم ملكة غير متوّجة، متفوقة بالثرثرة والاستعراض.
وفي حالات أخرى، وربما تكون هي ذاتها النموذج الذي ذكرته أعلاه سنجدها سيدة من هواة (الهجولة) فلا تترك محلاً تجارياً ولا مشغلاً نسائياً ولا مطعماً إلا وارتادته للتصوير والاستعراض وتقديم إعلان في الطريق تحصل من ورائه على سيولة نقدية وأرصدة كبيرة تكون عوناً لها للقيام برحلات سفر أخرى ومزيد من الاستعراض والمباهاة.. ربما تعجب لأولئك المتابعين الذين يهدرون أوقاتهم في المشاهدة وحسب، لكن الأكثر إثارة للعجب تلك المحلات التجارية التي قد تتضمن أحياناً ماركات تجارية شهيرة الذين وجدوا في أصحاب السناب، وأقصد بعض الفارغين منهم، وجدوا في أولئك قائداً لإعلاناتهم يغدقون عليهم العطايا والهبات لأجل تقديم إعلان لهم وبطريقة بسيطة ومكررة لا تكلف صاحب أو صاحبة السناب شيئاً يذكر!
والخاسر في هذا الاحتفال العجيب هو المتابع المتفرج الذي كان يعاني فراغاً وشيئاً من الفضول للمتابعة فوجد نفسه في النهاية على قارعة الفراغ .. لا شيء في النهاية يملأ حياته ويثريها ولا هدف لديه يخطط لإنجازه لبناء حياته، فهل من صحوة؟!