د. حسن بن فهد الهويمل
ما يجري في الوطن العربي، يُجَسِّد حقيقتين مؤلمتين:-
- تعاقب اللعب المدمرة لكل شيءٍ أتت عليه.
- الغفلة العربية المعتقة، وغياب فقه الواقع.
ولا بد من استحضار هاتين السمتين المخلتين بالأهلية عند أي دراسة ناصحة، تلتمس الخلوص من فواجع التوحش، ولا تميل مع الهوى كل الميل.
الوطن العربي لايخلو من عارفين مؤصلين، ومحررين لمسائلهم، وقضاياهم. يدركون اللعب في إقبالها، وعند إدبارها، ويفقهون الواقع بكل تفاصيله، وإن غَلَبتْ الكثرةُ الشجاعةَ - كما يقال -.
وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً جعل الغلبة للجهلة، والمرتابين، وبائعي الألسن، والأقلام في سوق النخاسة الفكرية.
واقع الأمة العربية المُزْرِي لايدع مساحة، ولو مفحص قطاة للتعذير، أو التبرير. والخاسر من يلتمس العذر للضالعين بالفتنة:ـ {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} وهذا تحذير لكل مرافع في أي قضية خاسرة.
أكره ما أكره في حياتي جَلْدَ الذات، واستبطان الإحباط ، والقنوط ، والتيئيس:- {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
وليس من [اليأس]، ولا من [جَلْدِ الذات] مواجهة الحقائق بكل بشاعتها، والاعتراف بالواقع بكل هزائمه، تمهيداً للبدء في البحث عن الطريق القاصد.
قدر أمتنا انخراط المشبوهين في الدركات، وهَمُّ الناصحين الصعود في الدرجات، وبين هؤلاء، وأولئك تحار الأفهام، وتزل الأقدام. ومن أسلم أمته، أو خذلها تحمل شطراً من أوزارها.
ولسان حَالِها يردد:-
تَخِذْتُكُمُ دِرْعاً، وَتِرْساً لِتَدْفَعُوا
نِبَالَ العِدَى عَنِّي، فَكُنْتُمُ نِصَالَهَا
فَإنْ أَنْتُـمُ لَـمْ تَحْفَظُوا لِمَودَّتي
ذِمَاماً فَكُونُوا لا عَلَيْها، ولا لهـا
قِفُوا وِقْفَةَ المَـعْذُورِعَنِّـي بِمَعْزلٍ
وخَـلُّوا نبَـالـي لِلْـعِدا وَنِبَالـها
تجربةُ [الغرب] مع الإسلام الحقيقي، [الإسلام السني] تجربةُ فاشلة.
لقد خاض [الغرب] مع [الإسلام السني] معارك دامية، وتابع حملاته، وَنَوَّع مؤامراته، وعَدَّدَ غزواته. ولو ثاب إلى رشده، وجنح إلى السلام، وفَكَّر بِمُصَالحَةِ الإسلام، ومعايشته، لوجدت الإنسانية المعذبة ضالتها، واتجهت لعمارة الكون، ولكنه آثر الصدام على الوئام، والأثرة على الإيثار.
والإسلامُ الذي سَمَّانا الله به، وتعهد بحفظ كتابه قابلٌ للتعايش، ومُتَّسعٌ للعهود، والمواثيق، لو استظلت به كل الأطياف.
وخلل العلاقات مع الآخر منشؤه من الفهم السقيم لمقاصده. فعثراته من حَمَلته، لا من نصوصه، ومقاصده.
ولما لم تُجْدِ حملات الغرب الصليبية، ودسائسُه المغرضة، وافتراءاتُه الكاذبة، ومستشرقوه الماكرون، ورجالاته المحنكون، وثكناتُه، وقواعدُه، ومناديبه، لملم أشلاءه، وأعاد مكائده على متن [طابوره الخامس] المتعلمن، أوالمتغربن، والجاد في تصعيد الأحقاد: الطائفية، والعرقية.
لقد ترك الميادين، والأجواء، والبحار. وقبع وراء مكاتبه، يصنع اللعب، ويديرها، ويفتعل الأزمات، ويرعاها. ويضرب أطياف الأمة، وطوائفها بعضها ببعض، محققا خَوْفَ الرَّحْمَةِ المهداة، وتخويفه:-
[لاتَعُودُوا بَعْدي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُم رِقَابَ بَعْضٍ].
وهاهي طوائف الإسلام، وأطيافه، ومنظماته، وأحزابه يلتقون بأسنة مشحوذة، وألْسِنةٍ حداد. يزهقون الأنفس، ويدنسون السمعة، ويفككون التلاحم، ويفرقون الكلمة. يلعبون أدوراً مشبوهة، وينفذون خططا محكمة، في ظاهرها التمويه، وفي باطنها الشر المستطير.
ومع أنها لعب كأسنان المشط في تشابهها، إلا أن [آكلي الطعم]، لايدركون ماهم عليه: هلكة وإهلاكا.
لقد لعب [المجوس] الحاقدون على الإسلام، وعلى العنصر العربي تحت غطاء مشايعة آل البيت أدواراً قذرة، تمثل الوحشية بأبشع صورها. بحيث أشاعوا ثقافة الكراهية، والفرقة، والعنف، وتصدير الخرافة، وتزييف الحقائق.
ولأن [المجوس] يستبطنون العنصرية البغيضة. ويكرهون العرب: شيعة، وسُنَّةً، فقد أضَلَّوا البله، والمغفلين من [شيعة العرب]. وحَمَلوُهم على مواجهة [أهل السنة، والجماعة]، والقضاء عليهم، وتغيير التركيبة السكانية بالقتل، والتهجير.
ولما تزل اللعبة الصهيونية المجوسية قائمة على أشدها. ولما يزل [الشيعة العرب] يمارسون القتل، والتشريد لشركائهم في [اللغة]، و[الدين]، و[الوطن]. فيما يظل المجوس يمدونهم بالغي. ويستدرجونهم بالتغني بـ[آل البيت].
وكيف تتأتى لهم هذه الدعوى، و[أهل السنة والجماعة] يوالون [آل البيت]، ويترضون عنهم، ويُصَلُّون عليهم في كل صلاة.
فالسنة على هذا هم شيعة آل البيت، وأحباؤهم. و[النواصب] من يكرهون آل البيت، أو من يصنمونهم. فالكره، والتصنيم وجهان لعملة واحدة.
ولأن اللاعب الأكبر القابع في غرف العمليات، لايريد لأحد الطرفين الانتصار على الآخر، ولا يقبل التمكين لأحدهما في الأرض، فقد ظل يراوح بين الطرفين، يمد هؤلاء تارة، وأولئك تارة أخرى. وكل طائفة تَتَبَرَّج له، وتُغْرِيه، وتخطب ودَّه، وتستعديه على الأقربين.
مثلما استعدى [نوري المالكي] الجيش الأمريكي على أمته في [العراق]، فكان ماترون، لا ماتسمعون عن [بغداد الرشيد]، ومأرز الحضارة الإسلامية.
وإذ شارفت الأقنعةُ المجوسية على النفاد، وقاربت اللعبُ الانكشاف، نكص اللاعب على عقبيه، متحرفاً للعبة أنْكى، أو متحيزاً إلى طائفة أغْبى.
فكان [التصوف] هو اللاعب الغبي الجديد. لقد بدت بوادره بـ[الانقلاب] التركي الفاشل. وثَنَّى بـ[مؤتمر قروزني]. وثلث بالجولات [المكوكية] الميسرة، ومدفوعة الثمن لـ[الجفري] في دول الكثافة الصوفية، كـ[السودان].
مع الحرص على إبراز الشعائر الصوفية في المشاعر المقدسة، وممارسة الإثارة لمشاعر المسلمين في أماكن الحشود، والحرص على تصويرها، وبثها. وتلك سوابق لم نعهدها من قبل.
وأحاديث [الجفري] وخطبه، ومواعظه، ولقاءاتُه تتسم باللين، والمسكنة، والتبشير بانتشار التصوف، وانتزاع حقه في الوجود، كمعادل لـ[أهل السنة، والجماعة]، والقبول بالمناصر على ماهو عليه. مع الصمت الصوفي المريب عن جرائم المجوس، وعدم التعرض للتشيع المجوسي الفاسد حتى عند الشيعة المعتدلين، وسائر طقوسه التي تضرب الثوابت الإسلامية في الصميم.
- يتبع