أ.د.عثمان بن صالح العامر
مساء يوم السبت الماضي، بل قبل ذلك بأيام وليالي، انهالت الرسائل النصية في «السوشل ميديا «وعبر «قروبات الواتس أب» مرفقاً بها مقاطع وصور تخبر بطريقة عبثية أنّ الأحد القادم دوام!!! معتقداً مرسلها ومتداولوها أنها مضحكة مسلية، وهي في الحقيقة محزنة مبكية، إذ من خلال هذا الزخم الإعلامي الموجّه تتولّد في العقل الباطن قناعة مستترة بأنّ العمل- أياً كان - بعبع مخيف للشخص، وهمٌّ ثقيل على النفس، وسبب من أسباب الشقاء والتعب الذي يلحق بالموظف والمعلم، بل حتى المهندس والطبيب، ومتى تجذّرت هذه الثقافة في المجتمع وسادت بين الشباب الذين يضعون أقدامهم اليوم على أول عتبات حياتهم العملية، فسيكون أثرها جزماً سلبياً في مستقبل مسارنا التنموي خدمياً كان أو تربوياً تعليمياً أو غير ذلك أكثر مما هو حاصل في واقع مؤسساتنا الحكومية اليوم، فيما يمكن تسميته بعصر المخضرمين، حيث يعمل في هذه الدوائر الرسمية جيلان معاً «الشيوخ» و»الشباب»، وعندي أن جيل «الطيبين» - كما ينعته البعض منا - أكثر انضباطاً وإنتاجية من الشباب في الغالب الأعم، وإن كنت لا أملك سنداً علمياً يدعم هذا الاعتقاد، ولكن يشفع لي فيما ذهبت إليه المشاهدات الميدانية.
إن الركون إلى الدعة والراحة يضر بصاحبه قبل أن يجني على مجتمعه، ولذلك لابد من زرع ثقافة الجدية والإنجاز لدى أبناء الجيل، وهذا يتطلب تعويد النفس على أمور مهمة من هذه الساعة ألا وهي بإيجاز:
* جعل الليل لما خلق له والنهار لما خلق له: {وَجَعَلنَا الليْلَ لِبَاسًا وَجَعَلنَا النَّهَارَ مَعَاشا}.
* ترويض النفس على حب مقر العمل كحب الاستراحة التي ترفه فيها عن نفسك تماماً، بل أكثر من ذلك .
* الفرح بالإنجاز اليومي، والسعادة الداخلية حين تسدي خيراً للآخرين، وتقدم نفعاً لهم، إذ إنّ هذا الشعور متى ما لامس شغاف القلب أورث محبة العمل وكان سبباً للعطاء بلا كلل أو ملل.
* الشعور بالانتماء الحقيقي ليس لذات المكان الذي تعمل فيه فحسب، بل لمنظومة العمل أجمع، والتعاون مع زملاء المهنة، ومتابعة الجديد فيها، والافتخار بها مهما كانت، حتى لو كان المجتمع ينتقصها ويقلل من شأن ممتهنها، فالعيب ليس في العمل بل في مد اليد وسؤال الناس أعطوك أو منعوك .
* الفصل بين الوظيفي والشخصي، فلا تحمل هموم البيت للعمل وكذا العكس حتى تستطيع أن تنجز بشكل جيد.
* تذكر أن العمل عبادة لله، فاصطحب النية الصالحة معك.
* لا يغبْ عن بالك أبداً أنك مؤتمن من قِبل ولاة أمرنا - حفظهم الله - على مصالح العباد ورقي البلاد، فاحرص على أداء الأمانة على الوجه الصحيح، واعلم أنك شريك حقيقي في صناعة حاضر الوطن ومستقبله.
للأمانة لم تكن كل الرسائل والتغريدات والكتابات والتعليقات على هذه الشاكلة، إذ إنّ هناك ما هو إيجابي ومحفز، وإن كان لا يقارن بما سبق الحديث عنه، وهذا النوع من الرسائل الخيِّرة على قلتها إلاّ أنها تبعث الدافعية الإيجابية لدى هذه الشريحة في المجتمع، وتعطي تصوراً جيداً عن مجتمع العمل في المملكة العربية السعودية، وتعكس مستوى المواطنة الصالحة الواعية لدورها الحقيقي في المشاركة الفعلية بتقدم ونهضة بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، التي تتوق إلى الوصول إلى سدة الريادة العالمية وتحقيق السّبق العلمي والتقدم الحضاري، يقودها إلى خوض غمار هذا المعترك الصعب قيادة حكيمة رشيدة واعية لطبيعة المرحلة التي نمر بها، ومدركة حجم التحديات التي ستواجهها، وعارفة بآثار التبدلات المتسارعة والتغيرات الشاملة في واقعها المعيش ومستقبلها المنتظر. وفّق الله الجميع، وسدّد الخطا، وإلى لقاء والسلام.