هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
متى حُط ذا عن نعشه ذاك يركب
هذه سُنّة الله في خلقه جل ثناؤه إلى أن يرث الأرض ومن عليها. فبالأمس القريب كان (أبو ناصر) بين أبنائه وبناته، وحينما أحسوا بدنو أجله ورحيله حرصوا على الجلوس بجانبه قبل أن يتوارى عن نواظرهم، ويخلو منزله من شخصه الذي كان معينًا عذبًا لهم، ينهلون منه الحكمة والمحبة والأبوة الحانية.. وما هي إلا فترة من الزمن حتى أجاب داعي المولى إلى الدار الباقية في آخر يوم له من أيام الدنيا يوم الثلاثاء، وأُديت الصلاة عليه بعد صلاة عصر الأربعاء 1/ 12/ 1438هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام - تغمده المولى بواسع رحمته-.
ولقد وُلد في بلد آبائه (البرة) الواقعة قبالة جبال طويق، والتابعة لمحافظة حريملاء، وذلك في منتصف الأربعينيات الهجرية، ونشأ يتيمًا. ولم يمكث طويلاً في البرة؛ إذ انتقل إلى حريملاء، والتحق بإحدى مدارس الكتاب، وحفظ ما تيسر من كتاب الله العزيز، وحصل على الشهادة الابتدائية لاحقًا، فلما كبر واشتد ساعداه استهوته قيادة السيارات، وكانت في بداية ورودها إلى المملكة -آنذاك- واستغل هذه المهارة التي اكتسبها بالعمل على جعلها وسيلة نقل للركاب بين الرياض وحريملاء، ثم إلى مكة المكرمة في الحج، وكانت أشبه بحملة الحج في يومنا هذا.. واستمرت شيئًا فشيئًا لتطول رحلاته بعض الدول المجاورة، كالكويت والعراق. وقد أكسبته هذه المهنة الاطلاع على الثقافات المتعددة، والتعرف على الكثير من الأشخاص. وقد كانت الطرق في ذلك الوقت وعرة وشاقة، يتخللها بعض العقبات والكثبان الرملية، والكثير من المشاق والأعطال، لكن ذلك لم يثنِ عزمه عن اتخاذ كل ما يكفل تأمين الرحلة من راحة واطمئنان، وكان ذلك قبل إنشاء الطرق المسفلتة التي أضحت الآن من شواهد نهضتنا المباركة التي قام بها ولاة الأمر -أعزهم الله- بعد ذلك. وفي بداية الثمانينيات الهجرية التحق أبو ناصر بالعمل في شركة كهرباء الرياض وضواحيها، وأُنيطت به مهام الإشراف؛ إذ كان يحظى بصلاحيات مطلقة من أجل إنجاز المشاريع المهمة مع بواكير الطفرة؛ لتصبح الشركة الموحدة للكهرباء إلى أن تقاعد، بعد أن أمضى أربعة عقود حافلة من العطاء.
ولنا مع أبي ناصر ذكريات جميلة، لا تغيب عن خواطرنا مدى العمر:
ما ودني أحد إلا بذلت له
صفو المودة مني آخر الأبد
تغمده المولى بواسع رحمته، وألهم ذويه وأبناءه وبناته وأسرة آل غدير أخوال أبنائه ومحبيه الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملا